أصدرت لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية، تقريرها بتاريخ 9 شباط/فبراير 2024، الذي يتألف من 48 صفحة، وتغطي فترة ما بين 1 تموز/يوليه إلى 31 كانون الأول/ديسمبر 2023، وهي الفترة التي شهدت الجمهورية العربية السورية أكبر تصعيد للأعمال العدائية في تلك الفترة حسب ما بينته اللجنة في موجز تقريرها.
استندت منهجية التقرير إلى 528 مقابلة، أُجريت وفقا لمنهجية وممارسات لجان التحقيق وتحقيقات حقوق الإنسان، واعتمدت اللجنة في معلوماتها عن الحوادث والتطورات التي طلبتها على مصادر متعددة (من بينها منظمات غير حكومية والأمم المتحدة)، وحللت الصور والوثائق الفوتوغرافية وأشرطة فيديو وصوراً ساتلية.
كما أوضحت أنّ تحقيقاتها مقيدة، ويعود ذلك إلى عدة أسباب، منها: رفض السماح لها بدخول البلاد، و العوائق المتعلقة بحماية الأشخاص الذي تجري معهم المقابلات، وتمسكها بمبدأ “عدم إلحاق الأذى”.
شمل التقرير شرحاً مفصلاً عن انتهاكات حقوق الإنسان في مناطق النزاع السوري، خلال عدة محاور، ومنها محور الانتهاكات في شمال حلب والذي تضمن الحرمان غير القانوني من الحرية والتعذيب وسوء المعاملة والعنف الجنسي والجنساني والنهب من قبل الجيش الوطني السوري. وقد وثقت اللجنة حالات احتجاز عدة من قبل الشرطة العسكرية وفصائل عسكرية مسلحة تابعة للجيش الوطني السوري، و استندت الاعتقالات ظاهرياً إلى الإرهاب والانتماء إلى حزب العمال الكردستاني أو التعاون المدعى مع كيانات أجنبية.
أظهر التقرير لجوء بعض الفصائل إلى الاعتقال بهدف الابتزاز وتحصيل مبالغ مالية من عائلاتهم، واحتجازهم لفترات طويلة دون مثولهم أمام قاضي، ويتم إطلاق سراحهم بعد دفع عوائلهم لآلاف الدولارات، كما يتم احتجاز العائدين إلى تلك المناطق التي تقع تحت سيطرة الفصائل بغرض التحقيق معهم، بالأخص لواء السليمان شاه والفرقة 211، ووفق بعض الشهود ممن تواصلت معهم اللجنة، باتت هذه الممارسة عادة لديهم وتعرف بالعامية “تأشيرة دخول” إلى المنطقة التي تخضع لسيطرة لواء السليمان شاه.
أورد التقرير مثالاً على احتجاز “رجلٍ كان مسافراً من مناطق تسيطر عليها الحكومة لعدة أشهر، قبل أن يتمكن من الاتصال بمحامٍ، وأطلق سراحه عندما دفعت عائلته مبلغ 1000 دولار“. وفي حالة أخرى، تم احتجاز رجل عائد إلى عفرين لعدة أسابيع ، وتم إطلاق سراحه بعد “دفعت عائلته مبلغ قدره 5000 دولار“. وظل رجل ثالث رهن الاحتجاز أثناء عودته من منطقة تقع تحت سيطرة الحكومة، دون توجيه أي تهمة له ولم يتم إبلاغ أسرته بمكانه رغم دفعه الآلاف من الدولارات لوسيط على صلة مع الشرطة العسكرية، وفي حالتين أخريين، تم احتجاز معتقلين في الحبس الانفرادي لمدة شهرين دون تمكنهم التواصل مع أسرهم أو محام.
وثقت اللجنة حالات تعذيب للمعتقلين وسوء المعاملة في “مراكز الاحتجاز التابعة للجيش الوطني في عفرين واعزاز وراجو ومعراته وحوار كلس“. وشمل الاستجواب عدة أساليب، منها: الضرب المبرح والضرب بالكابلات ومحاكاة الغرق وتهديد أفراد الأسرة وأعمال الإذلال، وتم توثيق حالة استجواب رجل من قبل ضابط تركي وتعرضه للضرب من قبل مسؤول سوري في السجن.
سلط معتقلون سابقون الضوء على استمرار الظروف السيئة في مراكز الاحتجاز بالإضافة إلى محدودية الطعام وسوء النظافة الصحية وقلة ضوء الشمس، حتى أن البعض قد اضطر إلى دفع ثمن أدويتهم وطعامهم. وتم توثيق حالة وفاة لرجل يبلغ من العمر 38 عاماً في آب/أغسطس أثناء احتجازه لدى الشرطة العسكرية في منطقة عفرين بعد إدعاءات بالتعذيب.
أكد التقرير “تواصل حالات معزولة من العنف الجنسي والعنف الجنساني يرتكبها أفراد من الجيش الوطني السوري، بما في ذلك التهديدات بالعنف الجنسي ضد المحتجزات”، رغم أنّ الجيش الوطني السوري أبلغهم بأنه يحقق مع أفراد فيه بخصوص حوادث اغتصاب.
أفاد التقرير استمرار قطف الزيتون وجمع ضرائب من الحصاد من قبل بعض الفصائل وبالأخص لواء السليمان شاه وفرقة الحمزة وفرقة السطان مراد التي تحصّل الأرباح، وتبدو أنها تتصرف دون عقاب، خارج سيطرة السلطات المحلية.
أشار التقرير إلى مصادرة بعض الفصائل جزء من محصول الزيتون، حارمة بذلك المزارعين من دخلهم الأساسي، و زادت المدفوعات مقابل المحاصيل زيادة كبيرة لتتجاوز قيمة المحاصيل في مناطق سيطرة لواء السليمان شاه، حسب ما وثقته اللجنة من خلال حالتين، “اعتقل فيهما اللواء رجلين كرديين واحتجزهما لعدم دفع أكثر من 10000 دولار من الضرائب – أحدهم مقابل قطعة أرض كان يعتني بها والآخر مقابل أرباح زيت الزيتون، على الرغم من أنهما ساهما في ضرائب الزيتون في وقت سابق من الموسم”، وتعرض أحدهما للضرب أثناء الاحتجاز، والحالة الثانية، تم قطع وسرقة العشرات من أشجار الزيتون الناضجة لرجل كردي بعد فترة قصيرة من رفضه دفع حصة من محصوله من الزيتون لفرقة السلطان مراد، ولم يتخذ أي إجراء بعد الشكاوي التي قدمها للفرقة.
كما رفضت بعض الفصائل المسلحة التوكيلات التي يصدرها أقرباء ملاك الأراضي أو إعطائهم الإذن بالحصاد نيابة عن أفراد أسرهم الغائبين. كما استولت على الأراضي التي يملكها ملاك الغائبون، وقد وصف أحد الشهود للجنة سيطرة فرقة الحمزة على أرضه الزراعية وتأجيرها بعد عودته إلى مدينة عفرين، كما فرضوا على الأهالي العائدين بدفع مبالغ نقدية مقابل استعادة منازلهم. واشترط أحد الفصائل تسليم أمرأة كردية منزلها مقابل مجيء زوجها إلى المنطقة، وبعد وصوله، وجد الزوج المنزل محتلاً من قبل قريب لأحد أفراد الجيش الوطني، ومنع من استعادة بيته بالرغم من امتلاكه دليلاً قانونياً على ملكية المنزل.
الجدير بالذكر أنّ التقرير أشار بوضوح إلى أنّه “يخشى العديد من أصحاب المنازل في منطقة عفرين من انتقام فصائل الجيش الوطني إذا اتصلوا بالسلطات للشكوى من مصادرة منازلهم أو احتلالها من قبل الجهات المسلحة أو النازحين داخلياً خوفاً، ولا توجد ثقة كبيرة في نظام العدالة”.
وثقت اللجنة في تقريرها أنّ منظمة لإنسانية اضطرت إلى إلغاء مشروع المساعدات النقدية الإنسانية في وقت لاحق بسبب “فرض لواء سليمان شاه ضرائب على المساعدات النقدية الإنسانية باستدعاء جميع العائلات التي تلقت مساعدات مالية من منظمة إنسانية”.
نوّهت اللجنة إلى إبلاغها بالتزام الجيش الوطني السوري بمسائلة قواته عن انتهاكات القانون الدولي وفقا للقوانين الدولية، وفي الوقت نفسه بينت اللجنة “وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأنّ فصائل السليمان شاه وفرقة الحمزة وفرقة السلطان مراد واصلت احتجاز أفراد بشكل غير قانوني وارتكابها لأعمال قد ترقى لجرائم الحرب المتمثلة للتعذيب وسوء المعاملة والنهب”.