أصدرت المحكمة العسكرية يوم الأربعاء بتاريخ 17 كانون الثاني/يناير 2024 في مدينة الراعي بريف حلب الشمالي التي تقع تحت سيطرة فصائل المعارضة السورية حكماً بالإعدام على ثلاثة عناصر من فصيل “جيش الشرقية” التابع للجيش الوطني السوري وتبرئة آخر لقتلهم أربعة مواطنين كرد عشية ليلة نوروز 20 آذار/مارس 2023.
وقد اعتبر ذوو الضحايا هذا القرار غير عادل كونه برّأ رأس الفتنة “أبو حبيب” حسب قولهم لعدم اكتمال الأدّلة، حيث استنكرت العائلة القرار بشدة، وصرّحت “ياسمين جقال” زوجة أحد الضحايا وأمّ لضحية ثانية قائلة:
“اليوم حكمت المحكمة بالإعدام على الجناة، مع أنّه ليس هناك حكم الإعدام. يبدو أنّهم فعلوا ذلك كي يقوموا بإسكاتنا فقط، وقد برأوا أو كأنهم برّأوا – الرأس الكبير – أبو حبيب، والحكم عليه بثلاث سنوات فقط لعدم وجود الأدلة الكافية – حسب زعمهم، رغم أننا في ظل أجواء الخوف والقلق أحضرنا أربعة شهود الذين أكدوا أنّهم وجدوا أبو حبيب في ساحة الجريمة، منهم من قال بأنه رآه قادماً، ومنهم من قال بأنه أطلق النار، حتى أنّ هناك شاهداً آخر أكّد بأنه شاهد أبو حبيب يربت على كتف ابنه مشجعاً له ويطلق أول رصاصة على الضحايا من مسدسه”.
وجرت محاولات عديدة للضغط على عائلة “بشمرك” للقبول بعقد صلح مع عوائل الجناة، إلا أنّهم في كل المحاولات كانوا يرفضون رفضاً قاطعاً التنازل عن مطالبهم بمحاسبة الجناة، ولعلّ آخر محاولة كانت من قبل نائب رئيس الائتلاف “د. عبد الحكيم بشار” أثناء زيارته للعائلة في 15 آب/أغسطس 2023.
وبتاريخ يوم الإثنين 27 آذار/مارس 2023 قام قاضي التحقيق العسكري “طه رشواني”، بمرافقة ستة عناصر من الشرطة العسكرية، حضروا إلى منزل عائلة بيشمرك في بلدة جنديرس وأجروا التحقيق بخصوص الجريمة مع أفراد العائلة ومحاولة ثلاثة من عناصر الشرطة العسكرية بعد إغلاق الضبط القضائي أصولاً، إجبار ذوي الضحايا التوقيع على أوراق ضبطية بيضاء. حيث تقول “ياسمين” في هذا الصدد:
“كان الغرض الرئيسي من كل هذه العملية هي تبرئة أبو حبيب منذ اليوم الأول، ووصلوا إلى هدفهم. في الحقيقة لم نحصل على حقنا، معظم شهودنا كانوا ضدّ أبو حبيب. فبدلاً من القبض على من يدعم أبو حبيب، قد قاموا بتبرئته. فرض عقوبة الإعدام على ثلاثة أشخاص لا يعني أننا نلنا حقنا”.
وأكّد “أشرف عثمان” – أخ الضحايا في جريمة جنديرس – على الضغوطات التي تعرضت لها العائلة للتخلي عن القضية والقبول بالصّلح والمساومة، تارة بالتهديد، وتارةً بإغرائهم بالمال، وتارة أخرى بعرقلة إجراءات المحاكمة والتضييق عليهم، وفي هذا الصدد صرّح “أشرف” قائلاً:
“رغم الضغوطات التي مارسوها علينا، إلا أنّنا لم نخضع لها واستمرينا في القضية حتى صدور الحكم على الجناة. إنّنا نعيش في خطر حقيقي يحدق بنا، رغم أننا لا نطالب أكثر من تحقيق العدالة”.
ويرى البعض بأنّ صدور حكم الإعدام على عناصر من فصيل “جيش الشرقية” الذي ينحدر أعضاءه من عشائر دير الزور، سيزيد من الطين بلة، حيث يُخشى من ردة فعل عكسية ربما تؤدي إلى مزيد من التعقيد والضغوط على عائلة “بشمرك” وربما إلى جريمة أو مجزرة أخرى. خاصة في ظل عدم توفر حماية لأفراد عائلة “بشمرك” ولا ضمانات من أي طرف، حتى أنهم تُركوا بلا حماية أثناء توجههم إلى المحكمة يوم صدور الحكم، فلم يكن برفقتهم سوى عنصر واحد فقط من الشرطة العسكرية وبدون سلاح، حيث صرّح “أشرف عثمان” في هذا الصدد قائلاً:
“بدأنا نسمع بعض التهديدات، وازداد الخطر على حياتنا بعد صدور حكم المحكمة، رغم أنّ الحكم الصادر ليس كما نتمنى. لا نعلم ما ستؤول إليه مصير عائلاتنا وأولادنا. الطرق مسدودة أمامنا”.
من جهته اعترفت الحكومة السورية المؤقتة بارتكاب الجريمة وتأييدها لقرار المحكمة كتطبيق عملي لنهج المحاسبة والالتزام الحكومي بتحقيق العدالة حسب البيان الذي أصدرته بتاريخ 18 كانون الثاني/يناير 2023، وورد في البيان:
“وفي ختام الجهود، تمت إدانة المتهمين الرئيسيين الأربعة بتهمتهم، وصدر حكم بالإعدام بحقهم كعقوبة للجريمة البشعة التي ارتكبوها.”، حيث تجاهل البيان الحكم المخفف على المدان – أبو حبيب الذي يشتبه في تورطه بانتهاكات أخرى، منها ضربه لامرأة في وسط الشارع بسبب مطالبتها لمنزلها.
وكانت حركة التحرير والبناء قد أعلنت بتاريخ 21 آذار/مارس 2023 عن إلقاء القبض على ثلاثة متهمين بارتكاب جريمة قتل أربعة مدنيين كرد في مدينة جنديرس وسلمتهم لقيادة الشرطة العسكرية، وهم كل من:
- عمر صالح الأسمر، مواليد عام 2000، من ريف دير الزور
- حبيب علي خلف، مواليد عام 2004، من ريف دير الزور
- بلال أحمد العبود، مواليد عام 2000، من ريف دير الزور
ووفق مصادر قضائية، فإن المحاكم التابعة للجيش الوطني السوري، تعتمد على القانون السوري المعمول به سابقاً في مقاضاة مثل هذه الجرائم، إلا أنّ أحكام الإعدام الصادرة عن تلك المحاكم (غير قابلة للتنفيذ)، لأنه لا توجد جهة عليا مخوّلة بالتوقيع على قرار المحكمة وتنفيذ أحكام الإعدام تلك كما كان معمول به سابقاً في سوريا.
وكانت الجريمة قد وقعت عشية نوروز، مساء يوم الاثنين 20 آذار/مارس 2023 وقتل أربعة مدنيين كُرد من عائلة “بشمرك” أمام دارهم في مدينة جنديرس أثناء إيقادهم لشعلة نوروز – العيد القومي للكرد، وهم كل من: “نظمي عثمان، فرح الدين عثمان، محمد فرح الدين عثمان، محمد عثمان” من قبل مجموعة من عناصر فصيل “جيش الشرقية” التابع للجيش الوطني السوري.