تتعرض منطقة عفرين منذ بدء عملية “غصن الزيتون” عام 2018، لسلسلة من الانتهاكات الممنهجة، لعدّة أسباب، منها تلك التي تقع بشكل متعمّد وتستهدف السكان الأصليين ومنها نتيجة للفلتان الأمني، ويمتنع الكثير من الأهالي عن المطالبة بحقوقهم أو رفع شكاوى عقب تعرّضهم لأيّ انتهاكات، خشية استهدافهم من قبل الفصائل المسلحة.
وفي تاريخ 17 آب/أغسطس 2023، أفاد مصدر محلي عن تعرّض شواهد بعض القبور من مقبرة أهالي قرية “دمليا” التابعة لناحية معبطلي للتحطيم والتكسير على أيدي مجهولين، الأمر الذي لاقى امتعاضاً واستهجاناً كبيريْن من الأهالي، إلاّ أنهم لم يتجرأوا على تقديم شكاوي رسمية لدى الجهات الأمنية خشية تعرّضهم للمساءلة بدلاً من التحقيق في الموضوع، ولعدم ثقتهم بتلك المؤسسات في كشف الفاعلين. فهي ليست المرة الأولى التي يتم فيها تحطيم شواهد القبور في مقبرة القرية.
من جهةٍ أخرى نقل مصدرٌ محلي آخر أنّ فصيل “لواء سمرقند” الذي يسيطر على قرى “المعزولة/روطا والدالية” التابعتين لناحية معبطلي وقرية “رمضان” التابعة لناحية جنديرس قد قام بالاستيلاء على محصول الجوز لهذا العام في منطقة “وادي جرجم” التي تقع ضمن سيطرة الفصيل المذكور بأمر من قائد القطاع المدعو “أبو جهاد” الذي يقيم في قرية “المعزولة/روطا” في منزلٍ يستولي عليه بالقوة يعود ملكيته لأحد النازحين قسراً. حيث أفاد المصدر أنّ الأهالي لم يتقدموا بشكوى لدى الجهات الأمنية لخشيتهم من مضاعفة العقوبة من قبل الفصيل.
وفي 8 آب/أغسطس 2023 تعرض “علي نوري” في العقد السادس من عمره من أهالي قرية “آنقله” لحادث دهس بسيارة عسكرية يقودها أحد عناصر فصيل سليمان شاه “العمشات”على الطريق الواصل بين القرية ومركز ناحية شيخ الحديد، مما أدّى إلى وفاته على الفور.
وبعد تواصل “ليلون” مع مصادر مقرّبة من الضحية، أكّد المصدر أنّ زوجة الضحية لم تجرؤ على تقديم شكوى أو طلب تعويض لدى الجهات الأمنية والقضائية خشية أن تتعرّض هي للتهديد وتصبح عرضة للانتهاكات على يد الفصائل، ولأنّها لا تثق بالمؤسسات الأمنية والقضائية بعد أنْ خسرت زوجها، بالرغم من وجود تقارير تتحدث عن نية مسبقة للقتل بسبب عدم دفع الضحية للغرامات المالية للفصيل المذكور.
وفي سياقٍ آخر، تواصل باحثو “ليلون” مع ذوي ضحايا تعرضوا للانتهاكات في المنطقة. حيث أفاد أحد أقارب “حنيف حنان” وهو زوج الضحية “عوفة شيخ أحمد” التي تعرّضت للقتل والحرق وتم سرقة منزلها وحرقه، أنّه تمّ إجبار زوج الضحية على التنازل عن حقّه في الإدعاء بعد رفعه طلباً للمحكمة بالتقصّي حول المتورطين في حادثة مقتل زوجته، ليتم إطلاق سراح المشتبه به فيما بعد واستدعاء زوج الضحية وشقيقها “مسعود شيخ أحمد” بحجة التحقيق واحتجازهما لمدة شهر تقريباً لإلصاق التهمة بهما إلى أنْ اضطرّا لدفع مبلغ 500 دولار أمريكي لقاء الإفراج عنهما.
ونقلاً على لسان أحد أقارب “حنيف” لـ”ليلون” أنّه تمّ إسقاط الدعوى من قبل زوج الضحية ليدفع عن نفسه وأهله التهديدات بعد تعرّضه لتعذيب شديد برفقة شقيق زوجته أثناء احتجازهما في “سجن معراته”، وخشية أنْ تصبح قضيتهم مثل قضية “عائلة بشمرك” في جنديرس.
ويعاني الأهالي من تهرّب الجهات المعنية والقضائية عن مساءلة المتورطين في ارتكاب الانتهاكات بحق السكان الأصليين وممتلكاتهم وعدم محاكمة الجناة، الأمر الذي أجبر أغلب ضحايا الانتهاكات إلى التنازل عن حقّهم في الادعاء عن أية حالة انتهاك تعرضوا لها بعد أنْ أصبحوا وجهة تهديد العناصر المسلحة، ومنهم من امتنع بشكل تام عن الادّعاء من أصله. ويعود ذلك حسب رواية ذوي الضحايا لـ”ليلون” إلى خشية الأهالي من تكرار المشهد بحقهم، لعدم وجود أيّة مساءلة عادلة تنصف حقهم في الشكوى.