كنتيجة لحالة الفلتان الأمني المستمرة منذ أكثر من خمس سنوات، شهدت عفرين المدينة مؤخراً جريمة قتل مروّعة، حيث أقدم مجهولون على قتل السيدة “عوفة شيخ أحمد” في دارها الكائن بدوار معراته بعدّة طعنات بالسكين في جسدها، قبل أن يقوموا بسرقة مبلغٍ من المال ومصاغها من الذهب، كما قاموا بحرق المنزل بعد ذلك.
وبحسب أحد أقرباء الضحية “عوفة” الذي فضّل استخدام اسم “علي خليل/اسم مستعار” فإنّ السيدة الأربعينية كانت متواجدة لوحدها أثناء ارتكاب الجريمة. وأضاف في شهادة خاصة لجمعية ليلون عبر باحثها الميداني ما يلي:
“يبدو أنّ الجريمة وقعت في حوالي الساعة التاسعة صباحاً من يوم 12 حزيران/يونيو 2023، وذلك بعد ذهاب زوج المغدورة إلى العمل، وما زلنا نجهل كيف دخل الجناة إلى البيت وقاموا بارتكاب هذه الجريمة. علماً أنّهم قاموا بسرقة مبالغ مادية كانت موجودة في المنزل (150 دولار و 800 ليرة تركية) إضافة إلى حوالي 250 غرام من الذهب، قبل أن يستكملوا جريمتهم بحرق المنزل والفرار.”
وبحسب المعلومات التي توصّل إليها باحث ليلون الميداني؛ أنّه تمّ توقيف أحد المشتبه بهم في جريمة القتل، حيث تبيّن أنّه أحد جيران الضحية، ويسكن في ذات البناء الذي تسكن فيه عائلة “عوفة”، وهو في العقد الرابع من عمره، وأحد النازحين من غوطة دمشق، وينتمي لفصيل “محمد الفاتح”. وأضاف الباحث:
“كانت أحد الأسباب الرئيسية التي أدّت إلى الاشتباه بجار المغدورة، هو عدم الذهاب لمحلّة التجاري في ذلك اليوم، والذي كان مخصصاً لبيع المنظفات في الحي. بل كان متواجداً في المنزل في تلك اللحظات.”
ووفقاً لمصادر أخرى مقرّبة من الضحيةـ وبعض الجيران المقيمين في الحي، وروايات نشرتها وسائل التواصل الاجتماعي على لسان زوج الضحية، فقد نشأ خلاف بين “حنيف” زوج عوفة مع جارهم المشتبه به والذي يقيم في الشقة التي فوقهم، حيث اتّهم “حنيف” بسرقة حصيرة صيفيّة كانت قد وقعت على شرفتهم، بينما أنكر الأخير ذلك وشعر بالسّخط بسبب هذا الاتهام.
ولكن الخلاف لم يهدأ، بل دام عدّة أيّام بعد تلك الحادثة، ولكي يردّ “حنيف” عن نفسه وعن زوجته البلاء، اقترح أنْ يعطيه 200 ليرة تركية ثمن تلك الحصيرة التي لا يعلم عنها شيء، إلا أنّ الجار، ورغم أنّه أخذ المبلغ، توعّده بـ”محاسبته” في يومٍ ما.
وقد علمت ليلون أنّ شرطة “الأمن الجنائي” التي يقع مقرّها في حي الفيلات بمدينة عفرين، بدأت بالتحقيق في الجريمة، إلاّ أنّ العائلة تعرضت في نفس الوقت لضغوط أثناء التحقيقات، من أجل التنازل عن حقّهم وعدم استكمال القضية.
لاحقاً، قرّر القاضي المكلف بالتحقيق في جريمة قـ.ـتل “عوفة” بإخلاء سبيل المشتبه بارتكاب الجريمة، وقام باستدعاء زوج الضحية “حنيف حنان خليل” و شقيقها “مسعود شيخ أحمد” للتحقيق معهما، وهما ما يزالان قيد الاحتجاز، حيث تُمارس عليهما ضغوطات لأجل الإدلاء بشهادة يقرّان فيها ببراءة المشتبه الرئيسي وفق ما صرّح به أحد المقربين من الضحية لباحث ليلون مؤخراً.
وتبلغ “عوفة شيخ أحمد” 40 عاماً من العمر، وتنحدر من قرية “الشيخ” التابعة لناحية “راجو” في عفرين ومتزوّجة منذ قرابة عشر سنوات من السيّد “حنيف خليل” الذي ينحدر من قرية “قيبار” التابعة لعفرين، وليس لديهما أولاد. وكان الزوجان يحاولان جمع قدرٍ من المال طيلة سنوات الحرب وقبلها، لإجراء عملية زرع طفل. وفي بداية زواجهما سكنت العائلة في قرية “قيبار”، وبسبب قلّة فرص العمل انتقلت إلى مدينة “جنديريس”، ومن ثمّ إلى عفرين وسكنت في حيّ “المحموديّة” إلى جانب أهل الزوجة وأقاربها.
لم يخرج الزوجان من عفرين أثناء عملية “غصن الزيتون” التركية عام 2018، وبعد عامين انتقلا إلى دار عمّة “عوفة” في دوّار معراته، وسكنا فيه خلال الثلاث سنوات الفائتة، وهو البيت ذاته الذي تمّت فيه الجريمة المروّعة.
وتشهد منطقة عفرين حالة فلتان أمني جرّاء ظاهرة انتشار السلاح، وكذلك انتشار الفصائل العسكرية الموالية لأنقرة بين المدنيين وفي الأحياء السكنية والقرى. حيث تتكرّر الانتهاكات في عفرين منذ احتلالها بدواعي وأسباب مختلفة. وتعدّدت تلك الانتهاكات في أنحاء المنطقة، كانت أفظعها مقتل أربعة شبان كرد ليلة نوروز 20 آذار/مارس من هذا العام على يد عناصر من فصيل “جيش الشرقية” التابع للجيش الوطني السوري في مدينة “جنديرس”، والتي تحوّلت إلى انتفاضة عارمة، إلا أنّ القتلة لم يحاكموا بعد.
وأصدرت لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا، تقريراً شمل الفترة ما بين 27 فبراير/ شباط و31 مارس/ آذار من هذا العام، ومؤلفاً من 44 صفحة تحدثت فيه عن انتهاكات فصائل موالية لتركيا في إدلب وعفرين. وذكرت اللجنة أنّ الصراع بين الأطراف “اشتد على عدة جبهات، مما ترتبت عليه عواقب وخيمة على المدنيين”.