أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش، في شهر شباط/فبراير الفائت 2024، تقريراً مفصلاً عن الانتهاكات الجارية في المناطق الواقعة تحت سيطرة فصائل الجيش الوطني بعنوان “كل شيء بقوة السلاح”. تناول التقرير أبرز الانتهاكات التي تشهدها المناطق التي تقع تحت سيطرة نركيا وفصائل الجيش الوطني ومن ضمنها منطقة عفرين، واصفاً السيطرة التركية على تلك المناطق بـ”الاحتلال“.
يتألف التقرير من 97 صفحة، تضمنت صور وخرائط، بالإضافة إلى رسالتين من المنظمة إلى الحكومة السورية المؤقتة وكلٌّ من وزارتي الدفاع والخارجية التركية. استندت منهجية التقرير إلى أربعة محاور رئيسية، شملت الخلفية والانتهاكات المرتبطة بالاحتجاز وانتهاكات حقوق السكن والأرض والملكية وآخرها غياب المحاسبة.
أجرت ھیومن رایتس ووتش أبحاث ھذا التقریر بین نوفمبر/تشرین الثاني 2022 وسبتمبر/أیلول .2023 شمل البحث 58 مقابلة مع ضحایا وناجین وأقارب وشھود على الانتھاكات یقیمون في عفرین ورأس العین ومناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، وإقلیم كردستان العراق وبعضهم في أوروبا، ولبنان، وتركیا.
أوضح التقرير في محور الخلفية الدور التركي في إضعاف الوجود الكردي من خلال عملياتها على طول الحدود السورية عبر ثلاث عمليات عسكرية رئيسية وهي:
العملية الأولى التي أطلقتها بتاريخ أبريل/نيسان 2016 ومارس/آذار 2017 باسم عملية “درع الفرات” والتي استولت من خلالها على مدينة جرابلس من جهة الغرب لمدينة إعزاز ومدينة الباب من جهة الجنوب.
العملية الثانية التي أطلقتها في كانون الثاني/يناير 2018 باسم عملية “غصن الزيتون“، والتي سيطرت من خلالها على منطقة عفرين ذات الأغلبية الكردية الواقعة في شمال غرب مدينة حلب بعملية عسكرية وحملة جوية مكثفة إلى أنْ استولت عليها بشكل كامل في مارس/آذار 2018.
العملية الثالثة التي أطلقتها تركيا في أكتوبر/تشرين الأول 2019 باسم عملية “نبع السلام” والتي سيطرت خلالها على منطقتي “تل أبيض” و”رأس العين” التي تقطنها المكونات السورية المتنوعة من عرب وكرد ومجتمعات من الإيزيديين والمسيحيين من الأرمن والسريان وأقليات عرقية ودينية أخرى. نتیجة لذلك، ّفر أكثر من 200 ألف من سكان المنطقة .
وبيّن التقرير أنّ قادة الفصائل العسكرية من الجيش الوطني السوري ينسقون مع الجيش التركي، وفقاً لإحاطة استخباراتية من “معهد نيو لاينز” في ديسمبر/كانون الأول 2022 وجاء فيه أنّ “ضباط الجيش والمخابرات الأتراك الذين يرأسون هذه المراكز ينسقون توزيع المسؤوليات العسكرية المستمرة، ويتخذون جميع القرارات، ويبلغون القادة السوريين الذين ينفذون بعد ذلك الأوامر“.
وأورد التقرير أنماط الانتهاكات التي ارتكبتها فصائل الجیش الوطني السوري المدعومة من تركیا من اعتقالات تعسفیة واحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي واختطاف وتعذیب. حيث قال التقرير في هذا الشأن: “تعرضت منازل وأعمال وأراضي ومحاصیل سكان عفرین للنھب والاستیلاء من قبل مقاتلي الجیش الوطني السوري وعائلاتھم، وھي أفعال محظورة بموجب قوانین الحرب ویمكن أن تشكل جرائم حرب. شھدوا أیضا تدمیر مواقعھم الثقافیة والدینیة والتاریخیة.“.
كما أوضح التقرير الوضع الإنساني الصعب الذي يعيشه المهجرين قسرياً من منطقة عفرين في مناطق شهبا، واصفاً حياتهم بأنهم: “یعیشون الآن في ظروف بائسة. تحاصر قوا ت الحكومة السوریة من آب/أغسطس 2022 منطقة الشھباء“.
أشار التقرير إلى عمليات التغيير الديموغرافي المستمرة في المنطقة من خلال “إعادة توطين مئات العائلات العربية السنية النازحة من الغوطة الشرقية في منازل سكان عفرين الأكراد الذين فروا“.
نوّه التقرير إلى اعتقال السطات التركية والجيش الوطني السوري للمواطنين السوريين ونقلهم بشكل غير قانوني إلى تركيا بقصد محاكمتهم، والذي يعدّ عملاً محظوراً بموجب قانون الاحتلال “بغض النظر عن دوافعه”.
وذكر التقرير أنّه وبموجب القانون الدولي، تعتبر الأراضي خاضعة للاحتلال عندما تخضع للسيطرة أو السلطة الفعلية لقوات مسلحة أجنبية، سواءً جزئياً أو كلياً، دون موافقة الحكومة المحلية، وهذا ما أكده التقرير من خلال تعامل تركيا مع المناطق التي تحتلها كجزء من بلادها، كإشراف سلطات ولايات كيليس وغازي عنتاب وهاتاي وشانلي أورفا من الناحية الإدارية على المناطق السورية التي تقع تحت سيطرتها، إلى جانب تداول العملة التركية محل العملة السورية في تلك المناطق، وتدريس اللغة التركية كلغة ثانية بعد العربية في المدارس، وإعادة تسمية المعالم الكردية بأخرى مرتبطة بتركيا، مثل: “أصبح دوار نوروز في عفرين والذي يعرف منذ ذلك الحين بدوار صلاح الدين الأيوبي، ودوار كاوا الحداد سابقاً بدوار غصن الزيتون، وأعيد تسمية إحدى الساحات بساحة رجب طيب أردوغان“.