صدر تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا بتاريخ 12 أيلول/سبتمبر 2023، الذي يتألف من 39 صفحة، ويغطي الفترة من 1 كانون الثاني/يناير إلى 30 حزيران/يونيه 2023، واستند في منهجيته إلى 447 مقابلة مباشرة، أجريت إما حضورياً أو عن بُعد، يتحدث عن معظم الانتهاكات المرتكبة في جميع أنحاء الجغرافية السورية من قبل مختلف أطراف النزاع.
وقد تألف التقرير من عدد من الفقرات تضمن أنواع مختلفة من انتهاكات حقوق الإنسان التي قامت بها أطراف النزاع في سوريا، منها ما قامت بها فصائل الجيش الوطني السوري المعارض في شمال غرب سوريا عامةً وفي منطقة عفرين بشكلٍ خاص.
تطرّق التقرير إلى عرقلة الجيش السوري لإجراءات إيصال المساعدات إلى حيي الشيخ مقصود والأشرفية ذات الغالبية الكردية أثناء الاستجابة لكارثة الزلزال. حيث أورد في هذا الصدد: “كما استمرت عرقلة الجيش العربي السوري لإجراءات إيصال الإمدادات إلى الشيخ مقصود والأشرفية، وهما جيبان متضرران من الزلزال تسكنهما أغلبية كردية ويقعان في شمال مدينة حلب”.
كما أشار التقرير أيضاً إلى عرقلة فصائل المعارضة السورية دخول المساعدات المقدّمة من الإدارة الذاتية لمناطق شمال غرب سوريا، في محاولةٍ لتسييس المساعدات بدلاً من دعم المناطق المتضررة من الزلزال، وورد في التقرير: “رفضت السلطات التابعة للجيش الوطني السوري دخول قافلة تحمل وقوداً من الإدارة الذاتية إلى المجتمعات المحلية في عفرين”.
وتحت عنوان “استمرار انعدام الأمن”، ذكر التقرير حادثة مقتل أربعة شبان كرد عشية نوروز 2023 على يد فصيل جيش الشرقية التابع للجيش الوطني السوري في بلدة جنديرس بعفرين، حيث ذكر في هذا الشأن وعلى لسان عائلة الضحايا إنّ: “اثنين من أعضاء الفصيل اقتربا من أفراد المجموعة، وصرخا فيهم ووصفوهم بـ”عبدة النار” قبل أن تندلع معركة بالأيدي وأن يشرع في رمي الحجارة. ثم أحضر عضوا الفصيل عضوين آخرين وبدأوا في إطلاق النار باستخدام بنادق.”
أكّد التقرير على استمرار الاعتقالات التعسفية بحجج واهية، وعمليات الاحتجاز القسري والتعذيب وسوء المعاملة في مراكز الاحتجاز والسجون بحق السكان الأصليين من الكرد بشكلٍ خاص في المناطق التي تخضع لسيطرة الجيش الوطني السوري، أنّ: “العديد من ضحايا الاعتقال التعسفي وسوء المعاملة والتعذيب كانوا من الأكراد”. وأورد في هذا المضمار شهادات حيّة من الضحايا وذووهم تؤكد ذلك بقوله: “وأخبرت زوجة محتجز كردي آخر اعتقلته الشرطة المدنية في الراعي للاشتباه في ارتكابه سرقة وأفرج عنه مطلع عام 2023 اللجنة أنّ زوجها تعرّض للتعذيب، بما في ذلك صعق أعضائه التناسلية بالصدمات الكهربائية”.
وفيما يتعلق بحوادث الاغتصاب المرتكبة من قبل فصائل الجيش الوطني السوري والتي لا تزال مستمرة في المناطق المختلفة التي تسيطر عليها، أنّ: “اللجنة تحقق حالياً في عدة ادّعاءات بالاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي التي ارتكبها أفراد الجيش الوطني السوري”. وأرفق التقرير حادثةً عن حالة اغتصاب امرأة من قبل عناصر الفصائل المسلحة التي جرت في 5 أيار/مايو: “اغتصبت امرأة داخل إحدى السيارات. وأبلغت اللجنة بأنّ الجناة الأربعة المزعومين في هذه القضية هم من بين تسعة أعضاء في الجيش الوطني السوري.”
كما أكدت اللجنة في تقريرها على استمرار وجود عملاء أتراك في مراكز التحقيق والاحتجاز، ودورهم في الإشراف على عمليات التحقيق قائلةً: “وأكدت اللجنة استمرار وجود عملاء أتراك خلال الفترة المشمولة بالتقرير، بما في ذلك في مرافق الاحتجاز في رأس العين وتل أبيض وأخترين وحوار كلس”.
وذكر التقرير شهادة عن التدخل المباشر للضباط الأتراك في عمليات الاستجواب للمعتقلين الكرد بشكلٍ خاص، حيث قال على لسان أحد المحتجزين الكرد: “وصرّح شخص كردي آخر محتجز هناك أنه تعرض في خريف 2022 للصّفع والضرب على رأسه بعصا أثناء استجوابه من قبل مسؤول تركي (بمساعدة المترجم). وأجبر على الاستلقاء على الأرض بينما كان شخص يرتدي حذاء عسكرياً يدوس على ساقه ووجهه ورأسه.”
وشرح التقرير بعض الأساليب التي تستخدمها الشرطة المدنية بإشراف ضباط أتراك للضغط على المحتجزين/ات من الكرد لتجنيد أحد أقاربهم/ن الذي يعمل ضمن قوات قسد لصالحهم، حيث قال: “امرأة كردية، احتجزت مع أولادها الأربعة الصغار في سجن حوار كلس لمدة أربعة أشهر مطلع عام 2023 بعد ترحيلها من تركيا.. وصرّح زوجها بأنّ رجلاً تركياً قام بمساعدة مترجم بالاتصال به مراراً من هاتفها وقال له إنّ إطلاق سراح الأسرة يتوقف على مساعدتهم على تجنيد أحد أفراد عائلة الزوجة (المرتبط بقوات سوريا الديمقراطية) للعمل لصالحهم.”
وخلّصت اللجنة في تقريرها إلى توصيف جريمة جنديرس التي تمثلت في قتل أربعة شبان كرد إلى جريمة حرب.
كما توصّل التقرير في نهايته إلى العديد من التوصيات، منها: “الدعوة إلى الوقف الفوري للتعذيب، بما في ذلك العنف الجنسي والجنساني، في جميع أماكن الاحتجاز. الإفراج عن المحتجزين تعسفياً وضمان مساءلة الجناة من خلال محاكمة عادلة. وقف جميع حالات الاحتجاز مع منع الاتصال والاختفاء القسري واتخاذ جميع التدابير الممكنة وفقاً لقرار مجلس الأمن 2474(2019) لتحديد مكان جميع المحتجزين و/أو المختفين، وتحديد مصيرهم أو أماكن وجودهم، وضمان التواصل مع أسرهم. دعم المؤسسة المستقلة المنشأة حديثاً بولاية دولية لتنسيق وتجميع المطالبات المتعلقة بالمفقودين، بمن فيهم الأشخاص الذين تعرضوا للاختفاء القسري. السماح بمرور المساعدات الإنسانية المحايدة إلى المدنيين المحتاجين.”
والجدير بالذكر أنّ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قد أنشأ لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا في 22 آب /أغسطس 2011 التي تتمثل ولايتها بالتحقيق في جميع الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي لحقوق الإنسان المُرتَكَبَة في سوريا منذ آذار/ مارس 2011. كما كلف مجلس حقوق الإنسان اللجنة بالوقوف على الحقائق والظروف التي قد ترقى إلى هذه الانتهاكات والجرائم التي ارتُكِبَت، وتحديد المسؤولين عنها، حيثما أمكن، بغية ضمان مساءلة مرتكبي هذه الانتهاكات، بما فيها الانتهاكات التي قد تشكل جرائم ضد الإنسانية.