أصدرت منظمة “بيل – الأمواج المدنية” تقريراً بحثياً عن انتهاكات حقوق السكن والأراضي والملكية، ونشرته بتاريخ 30 آذار/مارس 2024، بعنوان: “سلب الممتلكات كأحد أدوات التهجير القسري في مناطق عفرين وتل أبيض وسري كانيه/رأس العين (شمال سوريا)”.
تناول التقرير انتهاكات حقوق السكن والأراضي والملكية (HLP) في كل من منطقة عفرين منذ آذار/مارس 2018 ومنطقتي تل أبيض ورأس العين/سري كانيه منذ تشرين الأول/أكتوبر 2019 بعد احتلالها من قبل القوات التركية والجيش الوطني السوري. وأشار التقرير إلى هدف الجيش الوطني السوري إلى تهجير السكان الأصليين وتغيير التركيبة الديموغرافية عبر عمليات الإبعاد والتهجير القسريين التي تمت من خلال عدد من أنماط انتهاكات الملكية، منها:
- تدمير العقارات
- تجريف الأشجار ونهب المحاصيل الزراعية
- الاستيلاء على عقارات وتحويلها لمقرات وقواعد عسكرية.
- الاستيلاء على عقارات وإسكان آخرين فيها
- سرقة وإتلاف أثاث بيوت السكان الأصليين ونهب سبل عيشهم
- فرض إتاوات على المحاصيل الزراعية
- تهديد المالكين بعواقب وخيمة في حال العودة
اعتمدت منهجية التقرير على 164 شهادة من ضحايا التهجير القسري، بشكل فيزيائي مباشر، وتم اختيار مسألة “سلب الممتلكات كأحد أساليب التهجير القسري” كمضمون للتقرير الذي تم إعداده بعد تحليل الشهادات التي بيّنت الغاية من تهجير السكان الأصليين ودفعهم إلى النزوح وعدم تفكيرهم بالعودة من خلال سلب ممتلكاتهم وتدميرها.
وبيّن التوصيف القانوني للتقرير على أنّ الوجود التركي في تلك المناطق يعتبر “احتلالاً” حسب ما نصته المادة 42 من “اتفاقية لاهاي” لعام 1907 والمادة الثامنة من “نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية”.
وأوضح التقرير التهجير القسري من المنظور القانوني، والذي يتضمن مفهومين يشكلان المصطلح، وهما كل من مصطلح “التهجير” والذي يقصد به إبعاد شخص ما عن موطنه أو المكان الذي يتواجد فيه إلى خارج ذلك المكان أو الوطن، ومصطلح “القسر” والذي يعنى به الإجبار وحدوث التهجير خارج إرادة الشخص المهجر، ويعتبر التهجير القسري من منظور القانون الدولي مخالفاً لنص المادة 13 من “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” عام 1948، ونص المادة 12 من “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” لعام 1966.
وقد ورد في المبادئ التوجيهية الصادرة عن الأمم المتحدة بشأن التهجير الداخلي أنّ لكل إنسان حقّ في الحماية من أنْ يشرّد تعسفاً من مسكنه أو محل إقامته المعتاد، ويندرج تحت الحظر عندما يقوم على سياسات الفصل العنصري أو التطهير العرقي أو ممارسات أخرى رامية أو مؤدية إلى تغيير التركيبة الاثنية أو الدينية أو العرقية للسكان المتضررين، كما نصّت هذه المبادئ على عدم جواز حرمان أحدٍ تعسفاً من ممتلكاته أو أمواله ووجوب توفير الحماية.
ونصّت اتفاقية “جنيف الرابعة” عام 1949 على حظر النقل الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة. كما حظر البروتوكول الإضافي الثاني “لاتفاقيات جنيف عام 1977” الترحيل القسري للسكان المدنيين لأسباب تتعلق بالنزاع وإرغامهم على ذلك، معتبراً ذلك إجراماً حسب التقرير، بموجب المادة الثالثة لاتفاقيات جنيف الأربع.
ومن جهة أخرى، اعتبر قانون العقوبات السوري أنّ الاستيلاء على عقارات الغير دون سند قانوني جريمة غصب عقار استناداً للمادة 723 وعقوبتها ستة أشهر.
وبلغت الانتهاكات التي تم تحديد الجهة المتورطة فيها 148 حالة، وكان لفصيل الحمزات العدد الأكبر من حيث الانتهاكات المرتكبة لحقوق الملكية والتي بلغت 33 حالة، يليه فصيل أحرار الشرقية ب 16 حالة انتهاك، ومن ثم فصيل السلطان مراد بواقع 13 حالة انتهاك، يليه لواء المعتصم بـ 12انتهاك، والجبهة الشامية 7 حالات انتهاك، والشرطة العسكرية 4 انتهاكات، والسلطان سليمان شاه 3 حالات وكذلك أحرار الشام 3 حالات، وأُسند لكل واحد من فيلق الشام وكتيبة الشعيطات ولواء صقور الشمال وكتيبة الموالي انتهاكين اثنين، وانتهاكٌ واحد لكل من كتيبة ثوار حماة وكتيبة القادسية ودرع الفرات، بينما بلغت عدد الانتهاكات التي نُسبت إلى الجيش الوطني السوري دون تحديد اسم اللواء أو الفصيل بشكل محدّد 20 حالة انتهاك، كما تمّ توثيق 26 حالة انتهاك للجيش التركي.
وقد كشف التقرير أهم آثار التهجير القسري، والتي تضمنت آثار التهجير القسري على حقوق المهجّرين وحرياتهم الأساسية، وأثر التهجير القسري على الحلّ السياسي في سوريا، وآثار التهجير القسري على تغيير التركيبة السكانية، بشكلٍ مفصل لكل واحدة على حدى.
وقد أورد التقرير عدد من شهادات الضحايا حول مختلف أنماط انتهاكات الملكية التي تعرضوا لها، منها شهادة سيدة تدعى أم نضال (اسم مستعار) من بلدة بلبل التابعة لمنطقة عفرين، تقول فيها: “تم تدمير المنزل الذي كان قيد الإنشاء والمؤلف من غرفتين ومنافع مع فسحة، نتيجة القصف التركي للبلدة في 27 كانون الثاني/يناير 2018. أصبح غير صالح للسكن”.
كما ذكر التقرير بعض الشهادات حول تجريف الأشجار ونهب المحاصيل الزراعية، تقول السيدة “ك. د” (اسم مستعار) من أهالي جنديرس حيث تمّ قطع وتجريف 90 شجرة زيتون عائدة لها، حيث قالت: “أخبرتني جارتي بأنّ مجموعة من الأشخاص يعتقد بأنهم من فصيل أحرار الشرقية، دخلوا منزلي ونهبوا كل محتوياته،… وقد باعوا تلك الأغراض في قرية يلانقوز، أما الأشياء الصغيرة المتبقية في المنزل فقد رموها خارجاً وأحرقوها بعد ذلك“.
وحول تحويل أراضي السكان الأصليين إلى قواعد عسكرية، ذكر التقرير إفادة السيد “أبو سرهد” (اسم مستعار)، وهو من أهالي ناحية معبطلي التابعة لمنطقة عفرين قائلاً: “استولت الاستخبارات التركية على منزلنا في عفرين لمدة عامين تقريباً، ثم أصبح تحت سيطرة إحدى الفصائل المسلحة.. كما تمّ الاستيلاء على الأراضي الزراعية والتي تضم حوالي خمسمئة شجرة زيتون“.
وفيما يتعلق بإسكان مدنيين نازحين في بيوت السكان الأصليين والاستيلاء عليها، نشر التقرير إفادة الضحية (إ. م) من عفرين قائلاً:
“.. علمت من جاري أنّه تم خلع باب منزلي من قبل إحدى الفصائل العسكرية وأعتقد أنه من فصيل سلطان مراد، …. بعد ذلك بأسبوع تقريباً تمّ إسكان عائلة من ريف حلب في المنزل، كما تم الاستيلاء على منزل شقيقي المحاذي لمنزلي”.
وفقاً للتقرير لم يكن الاستيلاء على عقارات السكان المدنيين الوسيلة الوحيدة لتهجيرهم، بل عمل المنتهكون على سرقة و إتلاف ممتلكاتهم المنقولة الموجودة في المنازل والمحلات، وذكر التقرير شهادة السيد “أبو عبدالله” (اسم مستعار للشاهد) من أهالي بلدة راجو في عفرين قائلاً:
“دخلت الجماعات المسلحة المدعومة تركياً قريتنا واستولت على المنازل وصادرت محتوياتها ومنها محتويات منزلي، كما قامت بالاستيلاء على أرضي الزراعية المشجّرة بـ 800 شجرة زيتون وصادروا جراري الزراعي، ودراجتين ناريتين نوع بارت، و100 تنكة زيت زيتون”
وقدّم التقرير عدة توصيات بهدف معالجة الآثار الكارثية للتهجير القسري إلى الجهات الدولية والمحلية المعنية بمناطق عفرين ورأس العين/سري كانيه وتل أبيض، منها: الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، الأمم المتحدة ولجنة التحقيق الدولية المستقلة الخاصة بسوريا، الحكومة السورية (الحالية أو المستقبلية)، المعارضة السورية (الائتلاف والحكومة المؤقتة)، المجلس الوطني الكردي، الإدارة الذاتية، منظمات المجتمع المدني.
حيث طالبتهم بتحمّل مسؤولياتها تجاه ما يحدث من انتهاكات في تلك المناطق والعمل بسرعة على إيجاد حل سياسي لسوريا وإيجاد بيئة آمنة لتعزيز عودة النازحين عودةً طوعية وكريمة إلى ديارهم واستصدار قرار مجلس الأمن الدولي بإحالة الملف السوري إلى محكمة الجنايات الدولية.
وفي نهايته شرح التقرير بشكلٍ مفصّل أهم آثار التهجير القسري على حقوق المهجرين وحرياتهم الأساسية وعلى الحل السياسي لسوريا وعلى تغيير التركيبة السكانية في سوريا عامةً وعلى سكان منطقتي عمليات “غصن الزيتون” و”نبع السلام” بشكل خاص والتي تكون أكثر بشاعة وكارثية عندما تمارس تلك السياسات على أساس عرقي أو قومي، ويكون الهدف هو محو هوية مكوّن كامل من المكوّنات السورية.