“أنا يوسف الأحمد – اسم مستعار، ناجٍ من الاعتقال التعسفي لدى فصائلتتبع للجيش الوطني السوري في منطقة عفرين، ولدت لعائلة بسيطة، متواضعة في معيشتها لكنها مفعمة بالأمل والعمل، نشأت في أجواءٍ ريفية، أمضي نهاري بين رعي الأغنام والفلاحة وأسهر في الليل لأدرس، حملت فيقلبي حلماً كبيراً بأن أصبح محامياً يوماً ما، لأسعى إلى تحقيق العدالةالتي لطالما افتقدتها بلادنا المنكوبة.
أمضيت طفولتي على سفوح الجبال ،أتتبع فصول العام على أسطح منزلناالريفي البسيط وبين الحقول، إلى أن كبرت وبلغت السابعة عشرة عاماً، وحصل لم يكن بالحسبان“.
هكذا يصف (يوسف) لباحث/ة ليلون قصته، ويكمل:
” بين ليلةٍ وضحاها، انقلبت حياتي وحياة عائلتي رأساً على عقب، كنت قدبلغت من العمر آنذاك حديثاً السبعة عشرة عاماً، بدأت العملية العسكريةعلى منطقة عفرين باسم “غصن الزيتون” واجتاحت القوات المسلحة قريتي، وجائوا إلى القرية وقاموا بحملات اعتقالاتٍ عشوائية بقصد الإجراءاتالأمنية المعتادة، اعتقل عدد من الشبان والرجال ولم نفكر لوهلةٍ بأن يتماعتقالي أيضاً لأنني قاصر ووالدي كبيرٌ في العمر، إلا أنهم قاموا باقتياديقسراً من بيتي، قاموا بتعصيب عيناي وتقييد يداي، وأخذوني إلى مكانٍ مجهول“
ظروف الاحتجاز القاسية:
ويتابع يوسف في شهادته لليلون عن ظروف الاحتجاز لدى الفصائل فوروصوله، قائلاً:
“عند وصولي إلى المعتقل، شعرت أن الزنزانة تقع تحت الأرض، استُقبِلتُ بتعذيبٍٍ و إذلالٍ، تعرضت لضربٍ مبرحٍ فقدت على إثره وعيي بشكلٍ كامل ، وعندما أفقت، وجدت نفسي في زنزانةٍ ضيقة تفوح منها روائحٌ كريهة. كانالفراش ملوثاً بالدماء، ولم يكن لدي خيار سوى أن أغلق عينيه وأغرق في نومٍ مثقلٍ بالإنهاك.
كانت أنماط التعذيب متعددة، جوعٌ وإذلال وضربٌ وإهانة وتعذيبٌ لايطاق.
مرت الأيام والأسابيع، وبات جسدي مرتعاً للقمل، في إحدى الأيام، قدم ليأحد المساجين طعاماً مسموماً، حذرتني فتاةٌ صغيرة كانت تقبع في زنزانةٍ مجاورة، لكن الجوع كافر، وهو ما جعلني أتناول ذلك الطعام بشراهة إلى أنشعرت بألمٍ مبرح في بطني، وبدأت بالتقيؤ، وبدلاً من تقديم المساعدة لي، قام العناصر المشرفون على السجن بضربي وتعذيبي علاوةً على الألم الذيكان ينهش بي، وسحبوا مني البطانية التي كنت أحتمي بها من البرد.
بعد أيامٍ قليلة، أخذوني إلى غرفة التحقيق ووضعوا أمامي أوراقاً مليئة بتهمٍ ملفقة، هذا الأسلوب كانوا يتبعونه ويفرضونه على كل المساجين ليجبروهمبالضرب والتعذيب على الإدلاء بمعلوماتٍ لا تمت لهم بأي صلة، لكي يشرعواالاحتجاز والتعذيب بالسجناء.
عذبوني بأساليب وحشية، كانوا يعذبوننا بالكهرباء والضرب حتى ندليبمعلوماتٍ ملفقة، وتم تصويري في مقطعٍ أردد فيه تلك التهم دون إرادتي.
قضيت عامين في ذلك السجن بين الجوع والإهانة والإذلال النفسي، إلى أنتم نقلي إلى سجنٍ آخر.
في السجن الجديد، كانت ظروف الاحتجاز أقل قسوةً، إذ كان بإمكانيمشاركة آلامي ومعاناتي مع سجناء آخرين معي، وهم كانوا معتقلين بشكلتعسفي مثلي. بقيت هناك مدة عامين آخرين إلى أن تم نقلي إلى سجنٍ جديد كان عبارةً عن زنزانةٍ منفردة، كانت الوحدة قاتلة، وكنت آنذاك لوحديقبل أن ينضم سجناء آخرون إليّ، لم أجد ما يعزي وحدتي سوى ترديدالدعاء لعائلتي التي لم أكن اعرف عنها أي شيٍ منذ دخولي السجن وكنتأتلو القرآن وأصلي وأدعو الله ليل نهار بأن يحمي أحبتي ويجمعني بهمويهبني الصبر والقوة وينجيني من غياهب السجن المظلمة“
القرار المصيري:
ويضيف “يوسف” عن تفاصيل اعتقاله لليلون على إقدامه أخذ قرارٍ مصيريكان سيكلفه حياته برفقة أصدقائه في السجن، ويقول:
“بعد ستة أعوامٍ من الاعتقال التعسفي، أقدمت على أخذ قرارٍ يحسم كلهذا الألم وكنت أعرف جيداً أنه سيكلفني حياتي وحياة كل من هم برفقتي ماإذ كشفوا أمرنا، قررت الهروب برفقة بعض أصدقائي بعد العملية العسكريةالأخيرة في سوريا، وبدأنا بالتخطيط سوياً لليالي طويلة، تيّمناً بقصيدةالشاعر ” إذا الشعب يوماً أراد الحياة، فلابد أن يستجيب القدر، ولا بدو لليلأن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر” وهذا ما فعلناه، في ليلةٍ حالكة، حانتساعة الصفر وحطمنا جميع الأبواب واحدة تلو الاخرى، حتى تمكننا منكسر قيودنا والخروج“
اليوم الجديد:
عندما وطأت قدمي خارج السجن وتنفست الهواء الطلق، شعرت بولادتي منجديد وركضت بلا توقف إلى بر الأمان، وكان أول من بدر إلى ذهني همعائلتي، في صباح اليوم التالي اجتمعت بأسرتي، بالسر، انهارت أميبالبكاء فور رؤيتي وكانت ترتجف من الصدمة، ركعت عند قدميها وقبلتهمابحرقة، كان اللقاء مؤلماً ومليئاً بالشوق والحنين، إلى أن اخترت الذهاب بعيداً عن قريتي لئلا أتعرض للاعتقال مجدداً ولا تتعرض عائلتي للاستجواب فيظل الظروف الأمنية المتبلدة التي تشهدها المنطقة. لن أنسى تفاصيل ذلكاليوم الذي شعرت به أن روحي عادت إليّ من جديد، لم نكن نصدق أنناسننجو وأرى أمي وعائلتي حولي مجدداً”.
ويختتم يوسف شهادته لليلون قائلاً:
“لقد خرجت من السجن بجسد شابٍ و روحٍ أثقلتها الهموم، منذ ذلك الحينوأنا أردد في كل صلاة:
اللهم انتقم ممن ظلموني وسرقوا ستة أعوامٍ من عمري و دمروا طفولتيوشبابي، لقد سرقوا أجمل أيام عمري لكنهم لن يستطيعوا إيقافي عن قولالحق وأن أجهر أمام العالم أجمعه كيف تعذبنا وعشنا ، ليعرف العالم أنالعدل سيظل غائباً ما لم نطالب به، أنا تحررت من ظلمهم بقدرة الله وبإصرارٍ وعزيمةٍ منا على القرار الذي كان سيكلفنا حياتنا ما لم ننجو، لكن الحريةستتحقق برؤيتي كل منتهكٍ منهم يُحاسب على أفعاله وتعذيبه لأهلناوأنفسنا دون سبب “.