جنازة ملك إيبو أثناء التجوال بها داخل منزلها المستولى عليه قبل دفنها - مصدر الصورة: مواقع التواصل الاجتماعي
جنازة ملك إيبو أثناء التجوال بها داخل منزلها المستولى عليه قبل دفنها - مصدر الصورة: مواقع التواصل الاجتماعي

إنه لأمرٌ مشين؛ أن يصبح حق المرء وصيةً تُقضى بعد وفاته

“أخشى أنْ تصبح فكرة العودة إلى أرضنا ثانيةً، مجرّد حلمٍ يتحقق بوصية بعد الموت، بسبب الوضع الذي تؤول إليه منطقة عفرين بعد ما يزيد عن خمسة أعوام، ولا زلنا مهجّرين. لا أستبعد فكرة أن تكون وصيتي هي التالية: بأنْ يُنقل جثماني بعد وفاتي ليدفنوني حيث ولدت، وكذلك الكثيرون غيري من أهالي منطقة عفرين”.

هكذا وصفت “ليلى” قصة قريبتها الضحية “ملك إيبو”، البالغة من العمر 63 عاماً، وهي إحدى الضحايا التي كانت تتعرض للتهديد من قبل قائد فصيل “صقور الشمال” المدعو “أسمر” الذي كان يسكن منزلها، لتصاب بعدها بجلطة دماغية أدت إلى فقدانها لحياتها. وتكمل “ليلى”:

“اليوم، ما إنْ نظرتَ في عينيّ مهجّرٍ مسنٍّ من عفرين، ستجد فسحةً من الحزن والخيبة تسكن عيناه المترقّبة والمتلهّفة للعودة إلى أرضه، وهناك الكثيرون ممن استرقهم الموت على حين غفلةٍ من حرقة قلوبهم، قبل أنْ يحظوا بعودةٍ كريمة، ومنهم من كان وصيته الأخيرة أن يوارى جسده الثرى بنقله إلى دياره عفرين، بقصد دفنه في أرضه التي تمّ تهجيره منها قسراً.

والسيدة ملك إيبو، التي لم تحظى بزيارة دارها إلا بعد أن خطفها الموت. إنّها كانت إحدى العائدات إلى المنطقة، التي قررت العودة لوحدها، خوفاً على شبانها من أن يصيبهم مكروه، لأنها كانت على علمٍ مسبق بطبيعة الأحداث التي تشهدها النواحي والقرى من حالات الاعتقال للشبان وتعذيبهم.

فأبنائها السبعة موزّعون في مناطق حلب وعفرين وتركيا، لكن لا أحد منهم يودّ الإفصاح عن تفاصيل ما حدث لوالدتهم خوفاً على سلامة أقربائهم المتبقين في القرية، ولا ألومهم، لأنّ والدتهم كانت من ضحايا التعذيب والتهديد والخوف.

في البداية، كانت السيدة “ملك” تقيم في منطقة شهبا، إلى أنْ قررت العودة إلى منطقة عفرين في العام الفائت، بقصد الرجوع إلى قريتها “علي جارو” التابعة لناحية بلبل والسكن في بيتها لتروّح عن نفسها قسوة البعد والنزوح. وفور وصولها إلى قريتها، طالبت باسترداد منزلها من أحد قيادات الفصيل المسلح المقيم في بيتها، ليقابلها الآخر بالرفض والتهديد بعد أنْ كرّرت مطالبتها باسترداد مسكنها وأملاكها. حتى أنها في إحدى المرات تعرضت للشتم والتهديد من قبل عناصره أثناء تواجدها بين أشجار الزيتون العائدة ملكيتها لها. وبعد عدة أيام تعرضت للضرب من قبل مسلحين ملثمين.

يوماً بعد يوم، تراجع وضع “ملك” النفسي جراء التعذيب والخوف والتهديد الذي كانت تعرضت له من قبل قائد الفصيل كلما ذهبت إليه بغية إقناعه لتسليمه منزلها، لكن دون فائدة. وعليه تدهور وضعها الصحي، وهي تنظر إلى بيتها الذي يسكنه الغرباء بغير حق.

بعد نقلها إلى المشفى، أوصت مَن حولها قبل وفاتها بأنْ يتم نقل جثمانها إلى منزلها لتودع غرف بيتها ومن ثم يدفنوها. بناءً على ذلك تم أخذ وصيتها بعين الاعتبار من قبل وجهاء القرية وكبار العائلة بإصرار شديد رغم معارضة الفصيل، ليحملوا تابوتها ويتنقلوا بها في أرجاء المنزل ويتم تحقيق وصيتها، ومن ثم دفنها في مقبرة القرية”.

واختتمت “ليلى” إفادتها قائلة:

“إنّني أرى إنه لأمرٌ مشينٌ أنْ يصبح حق المرء وصيةً تُقضى بعد وفاته، كقصة السيدة ملك. فالبارحة كانت هي الضحية، ونحن لسنا بمنأىً عن تكرار حدوث ذلك معنا ومع باقي أهالي المنطقة، حيث أصبح حق المرء في دياره وأرضه ثمناً يدفع عنه عمره وعافيته!”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *