المبادئ العامة لتطبيق العدالة والحقيقة والإنصاف في سوريا

من وجهة نظر المجتمع المدني ومجموعات الناجيات والناجين

الإصدار الأول للمبادئ العامة – اَب 2025

مقدمة

هناك اليوم فرصة حقيقية أمام السوريين والسوريات لإعادة امتلاك بلدهم/ن ورسم ملامح مستقبل وعقد اجتماعي جديد يقوم على العدالة والحقيقة والمحاسبة وسيادة القانون. يتطلب اغتنام هذه الفرصة معالجة جادة لإرث الاستبداد والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والجرائم الدولية إضافة إلى الشروخ المجتمعية العميقة التي تسبّب بها أكثر من عقد من النزاع و عقود من الاستبداد والقمع المنهجي.

في ظل الخطوات الرسمية التي تتخذها الحكومة الانتقالية في مسار العدالة والحقيقة والإنصاف، مثل إنشاء الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية والهيئة الوطنية للمفقودين وبدء عملهما، إضافة إلى صدور المرسوم الرئاسي رقم (149) القاضي بتسمية أعضاء وعضوات الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، تبرز الحاجة الملحّة لوضع إطار وطني واضح وشفاف يقوم على التواصل المستمر من قبل الحكومة وتوفير الوصول للمعلومات اللازمة، بما يكفل رؤية شاملة تستند إلى مبادئ حقوق الإنسان وتشمل جميع الفئات المتضررة، ويضمن انسجام هذا المسار مع باقي الخطوات ذات الصلة، كتلك التي تقوم بها وزارة العدل لمحاسبة رموز النظام السابق.

تُظهر التجارب الدولية أن نجاح مسارات العدالة الانتقالية يتطلب توافقاً وطنياً جامعاً يعكس مصالح جميع الضحايا بلا تمييز، ويضمن مشاركتهم الفاعلة في صياغة مستقبلهم. وفي الحالة السورية، حيث تتداخل التحديات السياسية والمؤسساتية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، تصبح ضرورة هذا الإطار أكثر إلحاحاً بوصفه الضامن لأي مسار عدالة جاد وفعّال.

لقد لعبت منظمات المجتمع المدني وروابط الضحايا دوراً محورياً خلال السنوات الماضية، من خلال خبراتها في التوثيق، والدعم القانوني، والمناصرة، ومكافحة الإفلات من العقاب، وحماية الذاكرة الجماعية، والتصدي لمحاولات طيّ ملفات الانتهاكات دون مساءلة. وفي هذه المرحلة، يتحتم على هذه الجهات مواصلة دورها الحيوي رغم التحديات، لما توفره من خبرات ودعم فني وقدرة على الوصول، يمكن أن تسهم في تعزيز عمل الهيئات الوطنية وضمان استقلاليتها وشمولية وعدالة المسار.

من هنا، تبرز ضرورة إعلان منظمات المجتمع المدني وروابط الضحايا التزاماً مشتركاً بمبادئ عامة توحد رؤيتها وتوجّه عملها الجماعي لإنصاف جميع الضحايا وصون كرامة السوريين والسوريات وحقوقهم دون تمييز. فأي مسار للعدالة الانتقالية في سوريا لن ينجح ما لم يستند إلى مبادئ واضحة يتوافق عليها جميع المعنيين، بما يحوّل العدالة إلى أداة حقيقية لبناء دولة المساواة وسيادة القانون.

وعليه، تتوافق إرادة منظمات المجتمع المدني وروابط الضحايا المساهمة في إعداد هذه الورقة على المبادئ العامة المُدرجة أدناه، باعتبارها الحد الأدنى من التوافق المطلوب لإرساء مسار شامل للعدالة والحقيقة والإنصاف في سوريا، يكفل إنصاف الضحايا وأسرهم-ن وتحقيق العدالة وضمان عدم تكرار الجرائم والانتهاكات في المستقبل.

1. الالتزام بمسار عدالة شامل وغير تمييزي

نلتزم بالعمل من أجل ضمان أن يكون مسار للعدالة مستنداً إلى مبدأ المساواة أمام القانون، بحيث يعترف بجميع الضحايا كأفراد متساوين في الحقوق، بصرف النظر عن الجهات أو الأفراد المسؤولين عن الانتهاكات. فجميع الضحايا يملكن/ون الحق الكامل في الوصول إلى العدالة ومعرفة الحقيقة والحصول على الانتصاف الفعال. وسنعمل لمواجهة أي انتقائية في إنفاذ العدالة أو إعطاء استثناء لفئات بعينها من شأنه أن يقوض مصداقية العملية ويكرس مظالم جديدة بدل معالجتها. فالعدالة والحقيقة والإنصاف حقوق أصيلة لكل الضحايا، دون أي تمييز أو استثناء. ويشكل احترام هذه الحقوق حجر الأساس لأي مسار عدالة انتقالية جاد وفعّال.

نلتزم بالعمل لضمان التمثيل العادل والشامل لجميع الضحايا، بما في ذلك الفئات التي تعرضت لتهميش مضاعف، مثل الأقليات العرقية والدينية، وضحايا المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة ومناطق النزاع المختلفة. الاعتراف الفعلي بهذه الفئات وضمان مشاركتها الفعلية وتمثيلها العادل في مسارات العدالة هو شرط أساسي لتحقيق عدالة شاملة وتفادي إعادة إنتاج الإقصاء والتمييز والانتهاكات في المستقبل.

2. مركزية دور الضحايا وحقهم/ن في المشاركة

نلتزم بوضع الضحايا والناجين/ات في قلب مسارات العدالة، باعتبارهم/ن أصحاب حقوق وفاعلين-ات رئيسيين يمتلكن/ون خبرات وتجارب ومعرفة مجتمعية لا غنى عنها. ونؤكد أن دورهم/ن لا يُختزل في سرد المعاناة، بل يمتد إلى صياغة السياسات وتحديد الأولويات واقتراح الحلول استناداً إلى احتياجاتهم/ن وأولياتهم/ن و تطلعاتهم/ن. وجود الضحايا في صميم مسارات العدالة لا يجعلها أكثر استجابة لواقع الناس واحتياجاتهم/ن فحسب، بل يعزز من شرعية هذه المسارات، ويمنحها ثقة مجتمعية أوسع ويساهم في بناء مجتمع قائم على الاعتراف والمساءلة وعدم التكرار.

نتعهد بالسعي والمناصرة من أجل ضمان مشاركة فعّالة ومنهجية ومستمرة للضحايا والناجين/ات، تبدأ من مراحل تصميم مسارات العدالة وتستمر طوال التنفيذ والتقييم. كما نلتزم بتوفير الشروط الضرورية لتمكينهم/ن، من خلال تزويدهم بالمعلومات والدعم النفسي والقانوني، واحترام اختياراتهم/ن وحدودهم/ن وموافقتهم/ن المستنيرة. إشراك الضحايا لا يعني فقط دعوتهم للمشاركة في آليات العدالة، بل يعني تمكينهم من المساهمة في تصميم هذه الآليات والمشاركة في اتخاذ القرار واختيار المسارات التي تعكس رؤيتهم للعدالة. فالمشاركة ليست مسألة رمزية أو شكلية، بل حق قانوني وجوهري وشرط أساسي لتحقيق العدالة الحقيقية.

نلتزم بالاعتراف بالدور المحوري للنساء الناجيات من الاعتقال التعسفي والعنف القائم على النوع الاجتماعي وأي انتهاك آخر، بوصفهن صاحبات تجربة ومعرفة فريدة وقادرة على إحداث التغيير. وسنعمل على دعم المبادرات التي تقودها ناجيات من أجل المساهمة في تطوير مقاربات أكثر عدلاً وشمولاً للعدالة، تأخذ بعين الاعتبار السياقات المحلية والنوعية، وتعيد الاعتبار للنساء المهمشات، وتفتح المجال أمام مشاركتهن في مواقع التأثير وصناعة القرار.

3. تأكيد قيادة النساء في مسارات العدالة الانتقالية

نلتزم بالدفع نحو عدالة انتقالية شاملة تنطلق من فهم نسوي عميق، يعترف بما تعرضت له النساء والفتيات وغيرها من الفئات المهمشة في سوريا من انتهاكات ممنهجة، لم تقتصر على العنف الجنسي فقط، بل شملت انتهاكات أخرى مثل الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والتهجير والتهميش الممنهج في المجال العام وخاصة العمل السياسي. فإرساء العدالة الانتقالية من منظور نسوي يشكل مدخلاً ضرورياً لبناء سلام عادل ومستدام يعيد للنساء مكانتهنَّ كشريكات أساسيات في إعادة بناء المجتمع والدولة.

ونعمل على ضمان الاعتراف بالانتهاكات التي طالت النساء والفتيات، ودمج معاناتهن ضمن سردية الحقيقة، وتصميم استجابات تراعي خصوصية تجاربهن، من خلال تمكين الناجيات من المشاركة الفعلية في تصميم وتنفيذ آليات العدالة، من لجان الحقيقة إلى برامج جبر الضرر والإصلاح المؤسساتي، على نحو يضمن حضور أصواتهن وقيادتهنَّ. ونؤكد التزامنا بتحدي البنى الذكورية المهيمنة التي غالباً ما تعيد إنتاج التهميش، وبدمج مبادئ المساواة الحساسة للنوع الاجتماعي في كل السياسات الوطنية ذات الصلة، لا سيما تلك المعنية بجبر الضرر وضمان عدم التكرار، بما في ذلك تعديل القوانين التمييزية بحق النساء، ومجابهة العنف المؤسسي وعنف مؤسسات الدولة، لضمان عدم استمرار منظومات الظلم تحت غطاء القانون أو السلطة.

كما نلتزم بتطوير آليات فعالة لمواجهة الوصم والتمييز بحق الناجيات، ودعم اندماجهنَّ المجتمعي بكرامة، والعمل بمقاربة تقاطعية تراعي التداخل بين مختلف أشكال التمييز (على أساس النوع الاجتماعي والانتماء العرقي أو الطبقي أو الديني أو الجغرافي، الخ) والانتهاكات، بما يضمن عدالة انتقالية لا تقصي أحداً، ولا تُعيد إنتاج الإقصاء بأشكال جديدة.

وإيماناً منا بأن العدالة الانتقالية من منظور نسوي لا تقتصر على الاعتراف بالانتهاكات فحسب، بل تتطلب معالجة آثارها العميقة على مختلف جوانب حياة النساء والفتيات، نؤكد التزامنا بتوسيع مفهوم العدالة ليشمل البُعد الاقتصادي والاجتماعي، من خلال ضمان جبر الضرر الاقتصادي واستعادة حقوق النساء في السكن والأرض والملكية، وتأمين وصولهنَّ إلى الموارد وفرص العيش الكريم. كما نولي أهمية كبرى لتوثيق وأرشفة الذاكرة وحماية شهادات الناجيات من الاستغلال أو التسييس، باعتبار ذلك خطوة ضرورية لصون الحقيقة ونقل تجارب النساء للأجيال القادمة.

وندعو إلى الاعتراف بالنساء كصانعات للمعرفة والسياسات والقرار، ودعم إنتاج المعرفة النسوية التي تستند إلى تجاربهن وخبراتهن، بما يعزز حضورهنَّ الفاعل في رسم مسارات العدالة. ونؤكد كذلك على ضرورة إدماج خدمات الصحة النفسية والجسدية المستدامة كجزء من عمليات جبر الضرر، لمعالجة آثار الصدمات العميقة التي خلفها النزاع.

ونحرص على تبني مقاربة تقاطعية تُعنى بالنساء الأكثر تهميشاً مثل ذوات الإعاقة، وكبيرات السن، والنساء الريفيات، لضمان شمولية مسارات العدالة وعدم إقصاء أي فئة. كما نؤمن بأهمية ربط العدالة الانتقالية بمسارات المساءلة القانونية والقضائية لضمان عدم الإفلات من العقاب، وخاصة في الجرائم المتعلقة بالعنف الجنسي والتعذيب، مع توفير الحماية اللازمة للناجيات والمدافعات عن حقوق الإنسان المشاركات في هذه المسارات من أي استهداف أو عنف انتقامي.

4. رفض الإفلات من العقاب

نلتزم برفض الإفلات من العقاب بوصفه شرطاً جوهرياً لتحقيق العدالة الانتقالية في سوريا، ونؤكد أن لا عدالة ممكنة دون محاسبة جادة لجميع مرتكبي الجرائم الدولية والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بغض النظر عن انتماءاتهم أو مواقعهم. فشمولية المحاسبة شرط أساسي لاستعادة الثقة بالعدالة وضمان عدم تكرار الانتهاكات وترسيخ سيادة القانون.

نلتزم بالدفاع عن مبدأ المحاسبة الشاملة باعتباره شرطاً أساسياً لتحقيق سلام عادل ومستدام، ونرفض أي تسوية تتجاوز حقوق الضحايا أو تساوم عليها. ونؤكد أن أي تدابير تتعلق بالعفو أو المصالحة أو الإجراءات المشابهة يجب أن تقيّم وفق معايير شفافة وعادلة، من خلال عملية تشاركية مع المجتمعات المتضررة، بما يضمن احترام حقوق الضحايا في معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة وجبر الضرر، ووفقاً للقانون الدولي. كما سنعمل على التصدي لأي محاولة لإعادة تدوير أو تمكين لأي شخصية متورطة بانتهاكات حقوق إنسان أو جرائم من تولّي مواقع قيادية دون محاسبة، لما في ذلك من تعدي وتجاهل لحقوق الضحايا وتهديد لمسار العدالة وتكريس لثقافة الإفلات من العقاب.

الالتزام بالمحاسبة ورفض الإفلات من العقاب، بالنسبة لنا، ليس مجرد مطلب قانوني، بل أساس لبناء سلام مستدام ومجتمع قائم على العدالة والمساواة. ونؤكد أن المحاسبة تتطلب إجراءات قانونية مستقلة وعادلة وشفافة، تستوفي المعايير الدولية للمحاكمة العادلة وتكفل للضحايا والناجين والناجيات حقوقهم/ن في الإنصاف والاعتراف وتسهم في خلق فضاء عام يتيح للضحايا والناحين والناجيات سرد تجاربهم/ن المختلفة وتساعد المجتمع السوري في التعامل مع الماضي ومنع تكرار الانتهاكات. ونرى أن المحاسبة ليست أداة للانتقام، بل السبيل الوحيد لبناء سلام مستدام ومجتمع عادل، قائم على الاعتراف بالانتهاكات ومشاركة الضحايا الفعلية في تحقيق العدالة.

5. القيادة والملكية السورية الشاملة لمسار العدالة

نلتزم بالعمل من أجل أن تكون مسارات العدالة والحقيقة والإنصاف في سوريا بقيادة سورية حقيقية وجهود وطنية نابعة من أولويات السوريين والسوريات واحتياجاتهم/ن، لا من قوالب جاهزة أو نماذج مفروضة. ونؤكد أن القيادة والملكية السورية لا تعني احتكار الدولة أو الجهات الرسمية لهذه المسارات، بل تعني أن تكون مسارات العدالة والحقيقة الإنصاف نتاج مشاركة فعلية وواسعة من الضحايا والناجين والناجيات وروابط الضحايا ومنظمات المجتمع المدني والمجتمعات المحلية، باعتبارهم أصحاب مصلحة مباشرين ومالكين لهذه المسارات، يملكون الحق الكامل في تصميم مستقبل العدالة، ليس كمراقبين، بل كأطراف فاعلة تمتلك الرؤية والخبرة والشرعية المجتمعية.

التزامنا بالملكية السورية لمسارات العدالة لا يتعارض مع الاستفادة من تجارب الشعوب الأخرى التي خاضت مسارات عدالة انتقالية، ولكن سنعمل على إعادة بناء هذه التجارب بما يتوافق مع السياق السوري.

6. تنسيق فعال ورؤية جماعية من أجل عدالة انتقالية شاملة وشفافة

نلتزم بالعمل ضمن إطار تشاركي يستند إلى أهداف واضحة، ويرتكز على القانون الدولي لحقوق الإنسان كمرجعية قانونية وأخلاقية توجه جهودنا. ويقوم هذا الالتزام على احترام استقلالية كل منا، وتوزيع الأدوار بناءً على الخبرة والارتباط المجتمعي والتمسك بمبدأ “عدم الإضرار”، ورفض أي توظيف سياسي أو رمزي للضحايا، بما يضمن الشفافية والمساءلة والحق في المشاركة الفاعلة. فالعدالة والحقيقة والإنصاف في سوريا لا يمكن أن تتحقق دون رؤية جماعية شاملة وتنسيق فعّال بين منظمات المجتمع المدني وروابط الضحايا، يضمن مشاركة متوازنة وفعالة في تصميم وتنفيذ هذه المسارات بشكل يضمن أن حقوق الضحايا والناجين والناجيات في جوهرها.

ونلتزم بدعم المبادرات المحلية التي تنشأ من داخل المجتمعات المتأثرة، والتي يقودها الناجون والناجيات وأسر الضحايا والقيادات المجتمعية، باعتبارها ركائز أساسية في مسار العدالة الانتقالية. فهذه المبادرات تجسّد تجارب حقيقية واحتياجات ملموسة، وتُسهم في إعادة بناء الثقة داخل المجتمع. وسنعمل من أجل ضمان دمجها ضمن أي إطار وطني شامل للعدالة، كشريك فعّال في تصميم وتنفيذ مسارات الحقيقة والإنصاف والمساءلة.

وفي المقابل, نطمح لعملية تواصل شفافة وواضحة بالاتجاهين بين منظمات المجتمع المدني ومجموعات الضحايا من جهة والهيئات الوطنية المشكلة من جهة أخرى لضمان جدوى العمل والتنسيق العالي بما يخدم هذه القضايا الهامة ولضمان استقلالية عمل هذه الهيئات الوطنية.

7. الالتزام بحق معرفة الحقيقة

نلتزم بالعمل من أجل ترسيخ الحق في معرفة الحقيقة بوصفه أحد المبادئ الراسخة في القانون الدولي وركيزة أساسية في مسارات العدالة الانتقالية. هذا الحق ليس مجرّد مدخل للمحاسبة أو تمهيد للمحاكمات، بل هو حق مستقل بحد ذاته، شخصي للضحايا وأسرهم في معرفة ما جرى ومصير أحبائهم، وجماعي للمجتمع السوري في معرفة الحقائق وراء الانتهاكات التي حدثت ومن المسؤول عنها ولماذا حدثت، وذلك من أجل فهم الماضي وبناء مستقبل يقوم على الاعتراف . و مهّد لبناء ذاكرة جماعية تسهم في منع تكرار الانتهاكات.

نلتزم بدعم جميع الجهود الرامية إلى تعزيز هذا الحق، سواء من خلال توثيق الانتهاكات أو المبادرات المجتمعية لحفظ الذاكرة أو المشاركة في العمليات المؤسسية المتعلقة بكشف مصير المفقودين والمختفين قسراً، وضمان وصول الضحايا وذويهم إلى المعلومات دون عراقيل، بما يعيد الاعتبار لتجاربهم ويكرّس حقهم غير القابل للتفاوض في الحقيقة والإنصاف.

ونلتزم أيضاً بإتاحة فضاء عام لتدوين الروايات المهمّشة والتي لم تُروَ بعد (أو المسكوت عنها)، ودعم صناعة الأرشيفات التي تُمكن الأفراد والمجتمعات من معرفة ما جرى، وتضمن حق المعرفة للأجيال القادمة. ونؤكد أن الحق في معرفة الحقيقة لا يتحقق عبر بناء سردية كبرى مهيمنة، بل من خلال الاعتراف بالتعدد، وتوثيق التجارب المتنوعة للمحتمعات المتضررة كركيزة أساسية لمنع التكرار وتحقيق الإنصاف.

8. الالتزام بإعادة إعمار عادل لا يكرس الانتهاكات

نلتزم بالعمل من أجل أن تكون عملية إعادة الإعمار في سوريا جزءاً لا يتجزأ من مسار العدالة الانتقالية، وأن تقوم على مبادئ الإنصاف والمساءلة والمشاركة وعدم التكرار. وسنعمل على رفض أي مقاربة لإعادة الإعمار بوصفها عملية تقنية أو اقتصادية بحتة، ونتعامل معها على أنها فعل سياسي واجتماعي وتنموي يُسهم في إعادة تشكيل المجال العام والذاكرة والهوية الوطنية، ويجب أن تُستخدم كوسيلة للعدالة، لا كأداة لإعادة إنتاج التهميش والتمييز والإقصاء.

الربط بين إعادة الإعمار من جهة، وتنمية المجتمع وبناء حياة سياسية ديمقراطية تقوم على المواطنة المتساوية والتداول السلمي للسلطة من جهة أخرى، هو شرط أساسي لا غنى عنه. وعليه، نلتزم بدفع جميع الجهود لضمان أن تكون سياسات الإعمار متسقة مع مبادئ العدالة الانتقالية، وشاملة لجميع السوريين والسوريات دون تمييز. ونؤكد التزامنا بالمناصرة والعمل من أجل:

● تكريس العدالة المكانية من خلال مشاريع إعادة إعمار تستجيب لحاجات المجتمعات المتأثرة وتحترم حقوق السكان الأصليين بدلاً من فرض خطط مركزية تكرس التهجير أو تعيد إنتاج التهميش والإقصاء والانتهاكات،

● ضمان المشاركة الفعلية للضحايا والناجين والناجيات والمجتمعات المحلية في كل مراحل التخطيط والتنفيذ، خصوصاً في ما يتعلق بالعودة والسكن والخدمات الأساسية والبنية التحتية،

● مقاربة إعادة الإعمار كفرصة لتحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، عبر إزالة البُنى القانونية والإدارية التي غذت الإقصاء والفقر والتمييز.

9. العدالة الانتقالية مسار طويل لا لحظة عابرة

 نلتزم بالتعامل مع العدالة الانتقالية كمسار طويل الأمد، لا كاستجابة مؤقتة أو أداة تفاوضية، ونؤكد أنها يجب أن تُبنى بإرادة السوريين والسوريات ومن أجلهم/ن، بعيداً عن أي توظيف سياسي أو احتواء رسمي. ونعمل على ضمان أن تسهم العدالة الانتقالية في إعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، وتفكيك منظومات القمع والتمييز، وتحقيق تحول فعلي نحو دولة قائمة على سيادة القانون وحقوق الإنسان والمواطنة المتساوية.

نلتزم بأن تظل العدالة بالنسبة لنا حقاً لا مطلباً تفاوضياً، ومساراً مستمراً لا يُغلق إلا بتحقيق الإنصاف الكامل للضحايا واستعادة ثقة السوريين والسوريات في العدالة والمؤسسات. ونعمل على ضمان أن تتسع مسارات العدالة للرؤى والمقاربات القادمة من القاعدة المجتمعية، لا سيما تلك التي تقودها النساء الناجيات والمجتمعات المهمشة، باعتبارها مكونات أساسية في بناء مستقبل أكثر عدلاً وشمولاً. ونؤكد أن التحولات الحقيقية لا تأتي فقط من القرارات المفروضة من الأعلى، بل من العمل الدؤوب على إعادة بناء الثقة داخل المجتمعات المتأثرة وخلق فضاءات تمثيلية فعلية للضحايا بصفتهم أصحاب الحق، كما نلتزم بالتصدي لأي مقايضة على حقوق الضحايا تحت ذرائع التوازنات السياسية أو الواقعية المرحلية.

10. شراكة دولية داعمة لمسارات العدالة والحقيقة والإنصاف بقيادة سورية

نلتزم بالعمل على تعزيز شراكة متوازنة وفعالة مع المجتمع الدولي، تستند إلى احترام السيادة الوطنية وتضع حقوق الضحايا في صلب أي تعاون. نعمل على الاستفادة من الخبرات الدولية والآليات الأممية الخاصة بسوريا، لا سيما لجنة التحقيق الدولية المستقلة (COI) والآلية الدولية المحايدة المستقلة (IIIM) والمؤسسة الدولية المعنية بالمفقودين (IIMP)، من أجل دعم مسارات العدالة والحقيقة والإنصاف. كما نؤكد على ضرورة أن يكون هذا التعاون موجهاً نحو نقل تدريجي للولاية والخبرة والمعرفة من الآليات الدولية إلى المؤسسات الوطنية، حال توفر الشروط لذلك، وتمكين السوريين والسوريات من قيادة مسار العدالة بأنفسهم/ن، ونقل الخبرات والمعرفة إلى المؤسسات الوطنية حال توفر الشروط، لضمان ملكية سورية حقيقية لمسار العدالة الانتقالية.

كيف يمكن البناء على هذه الورقة؟

تم تسمية هذه الورقة ”الإصدار الأول” أملا بأن تكون نقطة بداية لتطوير مبادئ أكثر تفصيلا خلال مراحل تطور العمل على ملف العدالة الإنتقالية.

يمكن لمنظمات المجتمع المدني ومجموعات الضحايا والناجين والناجيات وأسرهم عقد جلسات تشاورية حول ورقة المبادئ لبناء تصور أشمل وأعمق وفهم مشترك لهذه المبادئ على اتساع الجغرافيا السورية وتنوع الانتهاكات الحاصلة بحق المجتمع السوري.

نأمل أن تشكل هذه الورقة حجر أساس لبناء خطط مناصرة استراتيجية أكثر تفصيلا في المستقبل و يتم الاستعانة بها كمرجع لمقارنة تطور عمل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية والهيئة الوطنية للمفقودين من جهة وتطلعات المجتمع السوري حول ملف العدالة الإنتقالية من جهة أخرى.

المنظمات الموقعة

1. المركز السوري للإعلام وحرية التعبير

2. البرنامج السوري للتطوير القانوني

3. النساء الآن للتنمية

4. الشبكة السورية لحقوق الإنسان

5. اليوم التالي

6. اتجاهات – ثقافة مستقلة

7. إنماء

8. اتحاد المكاتب الثورية

9. الجمعية السورية في جامعة سواس

10. بدائل

11. بادر للتنمية المجتمعية

12. جمعية ليلون للضحايا

13. جمعية سلام للتنمية و الديمقراطية

14. جمعية ديرنا نكسس

15. جوهر

16. حماة حقوق الإنسان

17. حملة من أجل سوريا

18. حملة لا تخنقوا الحقيقة

19. حقوقيات

20. حراس الطفولة

21. خيمة الحقيقة في داريا

22. خيمة الحقيقة في الغوطة الشرقية – القطاع الجنوبي

23. خيمة الحقيقة في جرمانا

24. خيمة الحقيقة في سلمية وريفها

25. دولتي

26. دار عدالة

27. رابطة تآزر للضحايا

28. رابطة دار لضحايا التهجير القسري (DAR)

29. رابطة بذرة خير

30. رابطة عائلات قيصر

31. رابطة أُسر مسار: تحالف أُسر المختطفين على يد تنظيم داعش

32. رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا

33. سين للسلم الأهلي

34. سوريون من أجل الحقيقة والعدالة

35. عائلات للحقيقة والعدالة

36. عائلات من أجل الحرية

37. غرين ايست

38. فريق صوت المعتقلين

39. مبادرة تعافي

40. منظمة العدالة من أجل الحياة

41. منظمة عدالتي

42. منظمة النهوض بالمجتمع المدني (GLOCA)

43. منظمة مهاباد لحقوق الإنسان (MOHR)

44. مبادرة تمكين الشباب السوري

45. مركز أمل للمناصرة والتعافي

46. ملتقى شمس

47. مؤسسة مدماك

48. منظمة شباب أوكسيجين

49. مسارات ابدالية

50. مساواة

51. محامون وأطباء من أجل حقوق الإنسان

52. مؤسسة جوى

53. مؤسسة غلوبال هارموني

54. مؤسسة أمل

55. متحف السجون

56. منظمة الرعاية الخيرية للأعمال الإنسانية

57. مركز دعم وتمكين المرأة

58. ميثاق الحقيقة والعدالة

59. منصة تمكين الشباب

60. ناجون

61. وحدة المجتمعات والوعي المحلي

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *