تلاميذ سوريون أثناء إحدى الحصص يحملون الأعلام التركية بعد العام 2018. عفرين/سوريا. المصدر: Anadoluimages
تلاميذ سوريون أثناء إحدى الحصص يحملون الأعلام التركية بعد العام 2018. عفرين/سوريا. المصدر: Anadoluimages

المناهج التعليمية في عفرين: بين “التتريك” والتضييق على اللغة الكردية

1.خلفية:

لم تشهد سوريا المعاصرة منذ نشأتها أي اعتراف رسمي باللغة الكردية، وظلت ممنوعة من التداول الرسمي وحتى الشعبي أحياناً، ومُنع افتتاح معاهد أو مراكز لتدريسها. كما لوحق واعتقل من حاول تعليمها للأهالي أو أصدر منشورات بها. جاء الاستثناء الوحيد في فترة الانتداب الفرنسي (1920- 1946) إذ سمحت السلطات الفرنسية لمثقفين أكراد بإصدار دوريات باللغة الكردية.

ومنذ جلاء القوات الفرنسية، استمرت هيمنة أفكار القومية العربية ومضت قدماً في مشاريع صهر المختلفين قومياً عبر دساتير اعتمدت لاحقاً إبان فترة الانقلابات العسكرية وأيضاً في عهد الوحدة مع مصر.

برزت ممارسات “الإدماج القسري” في أشدّ أوجهها بعد عام 1963، في أعقاب الانقلاب العسكري، المعروف بـ” ثورة الثامن من آذار”، والذي قادته مجموعة من ضباط حزب البعث العربي الاشتراكي. لاحقاً طبعت أيديولوجية الحزب الحاكم العديد من مواد دستور عام 1973، لاسيما المادة الأولى التي اشتملت على مصطلحات “عروبية” عديدة منها “دولة اتحاد الجمهوريات العربية”، “الجمهورية العربية السورية”، ” القطر العربي السوري”، “الوطن العربي”، “الأمة العربية”.

المرة الأولى التي شهدت فيها سوريا وجود مناهج باللغة الكردية كانت بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية في آذار/مارس 2011. و”انسحاب” الحكومة السورية من مناطق ذات غالبية أو/و كثافة كردية مثل عفرين وعين العرب/كوباني والحسكة صيف عام 2012، حيث تولى حزب الاتحاد الديمقراطي PYD السيطرة على هذه المناطق.

وفي عام 2014، أنشأ الحزب هيئة إقليمية حاكمة فيدرالية باسم (الإدارة الذاتية)، بناء على العقد الاجتماعي الذي أعلنته هذه الإدارة؛ لتصبح اللغات الرسمية في هذه المناطق، وخصوصاً في عفرين، هي الكردية والعربية والسريانية، مع ضمان حق كل مجتمعات منطقة عفرين في التعلم بلغاتها الأصلية. ثم أصدرت “الإدارة” نسخة منهاج باللغة الكردية للطلاب الكرد، إلى جانب نسخة باللغة العربية للطلبة العرب. لكنها واجهت انتقادات لاذعة إزاء بعض الأفكار التي تضمنتها المناهج، واتُهمت الإدارة بأدلجة بعض المواد وفق أفكار “حزب العمال الكردستاني PKK”.

بعد سيطرة فصائل المعارضة والجيش التركي على منطقة عفرين في عملية “غصن الزيتون” في آذار/مارس 2018، فرضت “الحكومة السورية المؤقتة” التابعة لـ”الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، مناهج صادرة عن وزارة التربية في “الحكومة السورية المؤقتة”، كما خصصت “الحكومة المؤقتة” أربع حصص للغة التركية ومثلها للغة الكردية. لاحقاً، تمّ تقليص نصاب اللغة الكردية إلى حصتين فقط وأحياناً إلى حصة واحدة، وألغيت تماماً في بعض المدارس بحجة عدّم وجود كوادر لتدريسها.

في الوقت نفسه، فُرضت اللغة التركية على الكرد السوريين/ات والنازحين/ات السوريين العرب الوافدين إلى المنطقة من مناطق سورية أخرى، وبدأ الحديث في كتب اللغة التركية عن رموز وشخصيات قومية تركية وأخرى دينية غريبة عن البيئة المجتمعية السوريّة.

وكان من اللافت أيضاً، افتتاح سلطات الاحتلال التركية “كلية التربية” في مركز مدينة عفرين، أُتبعت بـ”جامعة غازي عنتاب” التركية بمرسوم رئاسي تركي وقّعه الرئيس رجب طيب أردوغان، وفقاً للمادة 30 الإضافية من قانون تنظيم مؤسسات التعليم العالي رقم 2809، والمادة 39 الإضافية من قانون التعليم العالي رقم 2547.[1] إلا أن كلية التربية لم تفتتح قسماً للأدب الكردي كي ترفد المدارس بأساتذة أكاديميين.

حالياً، تعدّ الكردية لغة ثانوية في المناهج التعليمية بعد العربية والتركية والإنجليزية من جهة عدد الحصص، ومعاملتها كمادة غير مؤثرة في المعدل العام للدرجات، بسبب عدّها لغة اختيارية في امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية. والمفارقة المثيرة هي تفوق اللغة التركية (داخل أراضي الدولة السورية) وتقدمها من حيث الأهمية وعدد الحصص ونوعية المدرسين، فضلاً عن المكانة العلمية وأهميتها في التحصيل العلمي، على الكردية لغة السكان الأصليين.

إنّ سياسة تهميش اللغة الكردية في عفرين، ولّدت لدى المجتمع المحلّي الكردي الشعور بالظلم نتيجة حرمانهم من لغتهم الأم، وأعاد إلى أذهانهم عقوداً من التمييز، عدا عن مواجهة الطلبة الكرد حالياً تمييزاً بحقهم نتيجة استخدامهم اللغة الكردية في أحاديثهم الشخصية اليومية بين بعضهم، وقد مورس هذا التمييز عليهم من قبل كوادر المعلمين وأبناء المجتمع الضيف على السواء.

2.منهجية الورقة:

اعتمدت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” في إعداد هذه الورقة على عملية الرصد والمتابعة لقضية تدريس اللغة الكردية في عفرين، وعبر إجراء 10 مقابلات مركّزة مع طلاب وطالبات وذويهم/ن، إضافة إلى مقابلات مع إداريين حاليين في عفرين، فضلاً عن إجراء لقاءات مباشرة مع نازحين من عفرين لجأوا إلى مناطق مختلفة في شمال شرقي البلاد، لكن لديهم تواصل شبه يومي مع السكان المتبقين في عفرين.

ولأجل ذلك صممت “سوريون” عدة استمارات تضمنت أسئلة خاصة تتناسب مع كل مجموعة قابلتها. وأجرت معظم المقابلات عن بعد عبر الانترنت، خلال الفترة الممتدة من أواخر كانون الأول/ديسمبر 2021 وحتّى النصف الثاني من عام 2022.

تتحفظ “سوريون” على ذكر الأسماء الصريحة للشهود ومناصبهم الوظيفية بناء على طلبهم وذلك بسبب تخوفهم من احتمال الملاحقة الأمنية من قبل الفصائل المسيطرة على الأرض، والتي من الممكن أن تتهمهم بالتعامل مع “الإدارة الذاتية” أو الارتباط بها.

تتكون هذه الورقة من خمسة أقسام. يتناول الأول المناهج التعليمية التي فرضت على أبناء منطقة عفرين (مناهج الحكومة السورية، منهاج الإدارة الذاتية، والمنهاج الحالي للحكومة المؤقتة مع مزيج من المنهاج التركي). بينما يسلط القسم الثاني الضوء على الواقع الراهن للغة الكردية في المنطقة ودور القوى السياسية والعسكرية المسيطرة فيها. تركز الورقة في القسم الثالث على سياسة “تتريك” التعليم التي تنتهجها أنقرة. أما القسم الرابع فيركز على التدريس باللغة الأم وتأثيره على الأطفال والطلاب في المراحل الأولى من التعليم، ويتناول القسم الخامس السياسة اللغوية التي اتبعتها الحكومات السورية المتعاقبة منذ التأسيس وحتى الآن.

3.مقدمة:

تأثر التعليم كثيراً في سوريا بظروف الصراع الدائر منذ 2011، وخرجت العديد من المدارس والمرافق التعليمية عن الخدمة سواء بسبب الدمار أو بسبب استخدامها لأغراض أخرى (كملاجئ أو مقرات عسكرية).[2]

كذلك اضطر العديد من العاملين في حقل التعليم إلى النزوح أو الهجرة خارج البلاد. كما تأثرت المناطق التي يتوزع فيها الكرد باضطرابات كبيرة في المنظومة التعليمية وخصوصاً منطقة عفرين التي شهدت في أقل من عشر سنوات عدّة إدارات فرضت رؤيتها الأيديولوجية من خلال المنظومة التعليمية دون الأخذ في الحسبان حقوق الطفل في التعليم.

لا تتوفّر أرقام رسمية عن عدد تلاميذ المدارس ولا طلبة الجامعات من أبناء منطقة عفرين ممن خسروا سنوات دراسية على خلفية الوضع المتقلب في هذه المنطقة.

اليوم، وبعد سيطرة تركيا والفصائل العسكرية المسلحة التابعة لها على عفرين، يواجه السكان المحليون إهمالاً متعمداً في مجال التعليم والتربية وخصوصاً من ناحية التدريس باللغة الأم لأبناء المنطقة من الكرد.

منذ سيطرة فصائل المعارضة السورية على عفرين، عقب انتهاء عملية “غصن الزيتون” العسكرية في 18 آذار/مارس 2018، واحتلال المنطقة عسكرياً بحسب وصف منظمة العفو الدولية،[3] قامت المجالس المحلية التابعة لوزارة الإدارة المحلّية في “الحكومة السورية المؤقتة/الائتلاف السوري المعارض” باستبدال المناهج التي كانت تدرس بالكردية، بمناهج أخرى، جعلت التركية لغة أساسية فيها إلى جانب العربية، وقامت بتخصيص ساعات لتدريس الكردية للطلاب الكرد، بالرغم من أنّ الكرد كانوا يشكّلون النسبة الساحقة (أكثر من 90%) من سكان منطقة عفرين قبل احتلالها.[4]

ويعاني الطلاب الكرد في عفرين وريفها صعوبةً في فهم المنهاج الدراسي المعتمَد حالياً من قبل “الحكومة المؤقتة”، خصوصاً من ليست لديهم أي معرفة مسبقة باللغة العربية نطقاً وكتابة، وبعد أن اعتادوا على الدراسة بالكردية كلغة وحيدة للمناهج.[5]

لقراءة التقرير كاملاً وبصيغة ملف PDF يُرجى الضغط هنا. (36 صفحة).

[1] “جامعة تركية تفتتح كليات في المناطق المحررة شمالي سوريا”. وكالة الأناضول، 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019. https://www.aa.com.tr/ar/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9/%D8%AC%D8%A7%D9%85%D8%B9%D8%A9-%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D9%81%D8%AA%D8%AA%D8%AD-%D9%83%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%A7%D8%B7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%B1%D8%B1%D8%A9-%D8%B4%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7/1654671

[2] “سوريا: بعد ثماني سنوات من الحرب”. اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي اسيا. رمز الوثيقة: E/ESCWA/CL 3.SEP/2020/TOP.5، تاريخ النشر 2020، ص 29

https://archive.unescwa.org/ar/publications/%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D8%AB%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%B3%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D8%AD%D8%B1%D8%A8

انظر أيضاً: كلمة المديرة التنفيذية لليونيسف هنريتا فور لمجلس الأمن عن وضع الأطفال في سوريا، الكلمة كما وردت لمجلس الأمن في الأمم المتحدة في نيويورك، شباط/ فبراير 2020:

https://www.unicef.org/ar/%D9%83%D9%84%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D9%81%D9%8A%D8%B0%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%86%D9%8A%D8%B3%D9%81-%D9%87%D9%86%D8%B1%D9%8A%D8%AA%D8%A7-%D9%81%D9%88%D8%B1-%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%86-%D8%B9%D9%86-%D9%88%D8%B6%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B7%D9%81%D8%A7%D9%84-%D9%81%D9%8A-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%A7%D9%86%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D9%81%D9%8A%D8%A9

انظر أيضاً: “مشكلات التعليم في سوريا في ظل الأزمة مرحلة التعليم الأساسي نموذجاً”، شروق عبد ربه، مشروع تخرج من الأكاديمية السورية الدولية للتدريب والتطوير، ص11: https://sia-sy.net/researches-final-projects؛

انظر أيضاً: “المدارس في سوريا” الإصدار السابع، وحدة تنسيق الدعم: https://acu-sy.org/ar/imu_reports/schools-in-syria-07-interactive-2022-ar/

[3]  “سوريا: يجب على تركيا وضع حد للانتهاكات التي ترتكبها الجماعات الموالية لها والقوات المسلحة التركية ذاتها في عفرين”. منظمة العفو الدولية. نشر في 02 آب/أغسطس 2018 .

https://www.amnesty.org/ar/latest/news/2018/08/syria-turkey-must-stop-serious-violations-by-allied-groups-and-its-own-forces-in-afrin/

[4] “النسبة الحقيقية للعرب في عفرين بكوردستان سوريا أقل من 2%”، موقع روداو، 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 https://www.rudawarabia.net/arabic/kurdistan/181120179

انظر أيضاً: “الجغرافية البشرية للأكراد في سورية”، مهند الكاطع، سوريتنا، 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021

https://our-syria.com/55845/

[5] الحرمان من اللغة الأم كأحد أشكال “الإبادة الثقافية” المستمرة في سوريا، سوريون من اجل الحقيقة والعدالة، 22 شباط/ فبراير 2021: https://stj-sy.org/ar/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%85%D8%A7%D9%86-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%BA%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85-%D9%83%D8%A3%D8%AD%D8%AF-%D8%A3%D8%B4%D9%83%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%A8%D8%A7/

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *