حصاد المر: معاناة الأهالي تحت وطأة الإتاوات في عفرين

تعتبر منطقة عفرين من أهم مناطق إنتاج الزيتون في سوريا، حيث تضم ملايين أشجار الزيتون المعمرة، ومنذ سيطرة فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا على المنطقة في عام 2018، يواجه المزارعون والسكان المحليون تحديات متزايدة، والتي تتضمن فرض إتاوات وحملة اعتقالات تطال مدنيين كثر ممن لا يقوون على دفع المبالغ التي تفوق قدرتهم.

وحسب مصادر مقربة من باحثي/ات ليلون في قرىً تابعة لناحية جنديرس، منها “كازه – صاتيا – كفردلي فوقاني وتحتاني” ، قام عناصر من فرقة الحمزات بمنع الأهالي من حصاد زيتون الأهالي المغتربين والمقيمين خارج المنطقة.

تقول سارة المحمد[1] (اسم مستعار) لباحث/ة ليلون عن إجبارها على البصم من قبل الفصائل المسلحة لتتنازل عن حصاد الزيتون العائد لأقربائها:

“لقد استدعاني عدد من عناصر تتبع لفرقة الحمزات إلى مركز قرية معراته وأخبروني بأنه يمنع علي حصاد زيتون أيتام شقيق زوجي المقيمين في مدينة حلب بقصد الدراسة، مع أنني أملك وكالة رسمية تسمح لي بالتصرف الكامل من قبل أرملة شقيق زوجي”.

وتكمل سارة لليلون:

“وضعوا أمامي الحاسوب وأخبروني عن المواقع التي يمنع عليَّ حصادها والتي تضمنت أرض شقيق زوجي بصورة دقيقة عبر الGPS”.

وحسب مصادر لليلون في قرى المنطقة، بدأ الأهالي بقطاف الزيتون في أواسط شهر أيلول/سبتمبر خلاف شهر القطاف المعتاد الذي يبدأ بحلول شهر تشرين الثاني/نوفمبر، مع اكتمال نضج ثمار الزيتون، خشية مواجهتهم حالات سرقة لمحاصيلهم في ظل عدم قدرتهم على تقديم الشكوى ضد الفاعلين أو المشتبهين.

يقول يوسف محمد[2] (اسم مستعار) أحد أقارب الضحايا لباحث/ة ليلون:

“تعرض أحد المدنيين من قرية سناره للضرب المبرح من قبل عناصر تابعين لفصيل السلطان سليمان شاه – العمشات لعدم قدرته على دفع مبلغ تم فرضه من قبل الفصيل، وتم صفع آخر بالخرطوم على وجهه في وسط القرية لعدم استطاعته على دفع المبلغ الذي فرض عليه من قبل الفصيل في قرية سناره”.

وشهدت قرية كمروك التابعة لناحية موباتو/معبطلي انتهاكاً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، بعد سيطرة فصيل “السليمان شاه” المعروف ب”العمشات” مؤخراً على القرية، بعد خروج الفصيل المسيطر سابقاً “صقور الشمال” من القرية، حيث قام الفصيل بقيادة المدعوين “مالك الجاسم” والشقيق الآخر المدعو “سيف الجاسم” الملقب بـ “أبو بكر بولات” وهم أشقاء قائد فصيل السلطان سليمان شاه “محمد الجاسم”، بفرض مبلغ مالي قدره 250000 $ على أهالي قرية كمروك، بجانب فرض أتاوة تراوحت 1000 $ لكل من يملك دراجة نارية أو جرار زراعي أو سيارة.

ومن بين العوائل التي أجبرت على دفع الضرائب حسب مصادر ليلون هي كلٌ من عائلتي حج كسكو عدنان والتي قامت بدفع مبلغ 3000 $ وعائلة فوزي والتي قامت بدفع 5000 $.

ومن ناحية أخرى، قام الفصيل بفرض إتاوات على موسم الزيتون، حيث قام بفرض مبلغ 8 $ على كل شجرة زيتون وفرض نسبة 50% على أصحاب الوكالات ممن يسكن مالكوه خارج القرية و14% على مالكي الأشجار المقيمين في القرية.

ووفق مصادر ليلون داخل القرية، أوضح بعض الأهالي عن التضييق الذي يتعرضون له عقب فرض الشقيقين سيطرتهم على قريتهم، حيث بينت المصادر ممن قابلتهم ليلون عن رغبتهم بالخروج من القرية.

وفي قرية كوكان التابعة لناحية موباتو/معبطلي في عفرين، فرض فصيل الحمزات مبلغ 2$ على كل شجرة زيتون، ونسبة تراوحت 50% على وكالات زيتون ممن يمكث مالكوها خارج المنطقة والتي تدار من قبل أقاربهم، ونسبة 10% على موسم الزيتون ممن يسكنون في القرية. أما في قرى چاقالا الثلاث (فوقاني – الوسطى – تحتاني)، فرض فصيل السلطان سليمان شاه – العمشات مبلغ 25$ على كل شجرة زيتون، وفي القرى الأخرى مثل آلكانا وخليل وحاج بلال التابعة لناحية شيه/شيخ الحديد، تم فرض إتاوة تراوحت 30$ على كل شجرة زيتون لمالكيها الذين يعيشون خارج عفرين، ومبلغ 8$ على كل شجرة زيتون للأهالي المقيمين في القرية.

ووفق مصادر خاصة من قرى چاقالا الثلاث التابعة لناحية شيه/شيخ الحديد التي تخضع لسيطرة فصيل السلطان سليمان شاه-العمشات ممن قابلتهم ليلون، أفادت المصادر بقيام مختار قرية چاقالا تحتاني المدعو رفعت باجو ومختار قرية چاقالا فوقاني المدعو طوفير وبالتنسيق مع المدعو سيف الدين الجاسم شقيق محمد الجاسم (أبو عمشة) على تسليم نسبة 30% من زيت الزيتون لسيف الدين جاسم، مقابل إجباره أهالي قرى چاقالا بإحضار زيتونهم لمعصرة المختارين رفعت وتوفير، ليقوم فصيل السلطان سليمان شاه بوضع حاجز تحت قرى چاقالا الثلاث (فوقاني – الوسطى – تحتاني) ويجبر الأهالي على أخذ زيتونهم إلى تلك المعصرة.

تقول ثريا الأحمد[3] (اسم مستعار) لليلون عن إحدى الحوادث التي تعرضت لها إحدى النساء من قرية چاقالا من قبل عناصر تابعين للفرقة “السلطان سليمان شاه”:

“لقد اعتدنا هذه الحوادث مع قرب محاصيل الزيتون في قرانا، فرض فصيل العمشات على امرأة مسنة من قرية چاقالا دفع مبلغ 1$ كقرار رسمي لقاء كل تنكة زيت يتم استخراجها من المعصرة أو يتم إدخالها أو إخراجها من القرية بتاريخ 9 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، فاقترحت المرأة بأن يتم تسليم الأراضي للفصيل ويتم تقسيم المحصول بالنصف، ليقوم الفصيل بالرفض وتهديدها على أنهم سيقومون بقطع أشجارها ويمنع عليها المجيء إلى القرية”.

ونقلاً عن شهود آخرين لليلون في قرية كوره التابعة لناحية راجو، قام فصيل “جيش الشرقية” بإجبار أهالي القرية على عصر الزيتون في معصرة مستولى عليها من قبل فصيل جيش الشرقية المسيطر على القرية.

كما تداولت وسائل التواصل الاجتماعي مقطعاً مرئياً يكشف قيام بعض النازحين بقطف الزيتون في أرض زراعية بشكل عشوائي، وبحسب مصادر ليلون في المنطقة، تعود ملكية الأرض للمدعو “يشار عبدو” من قرية كازه التابعة لناحية جنديرس.

وفي حادثة مشابهة، تحكي مريم منلا[4] (اسم مستعار) لليلون عن حادثة سرقة كانوا قد تعرضوا لها:

“تقوم مجموعة مؤلفة من 15 امرأة بين نساء وفتيات من النازحين في جنديرس بين الحين والآخر بسرقة زيتون الأهالي، واكتشفنا في وقت لاحق أن أرضنا تتعرض للسرقة من قبل تلك المجموعة، لكننا لم نستطع رفع أية شكاوى ضد الفاعلات لندفع عن أنفسنا شرهن”.

وتكمل:

“قمنا بعد الحادثة بتعيين حارس شخصي من النازحين لحراسة أراضينا الزراعية التي تقع في قرى محيطة بمركز المدينة، وقد تعرض الرجل في إحدى المرات لشجار مع النازحات وهددته إحداهن بأنها ستتهمه باغتصابها ما إذ لم تسمح له بجني الزيتون، ليقوم الآخر بالرد أنه لا يخشى شيئا ولن يسمح لها يجني الزيتون من غير حق، لتتركه وشأنه”.

وفي ناحية شيراوا، تخضع بعض القرى لسيطرة ما يعرف بـ “القوة المشتركة” والتي تضم كلاً من فرقتي الحمزة والسلطان سليمان شاه، حيث قامت القوة بفرض إتاوة تراوح قدرها 1.5 – 2$ على كل شجرة ضمن مناطق سيطرتها.

وحسب مصادر خاصة بليلون، يعاني الفلاحون المارون من أراضيهم الواقعة على الطريق المؤدي بين ناحية راجو وقرية كتخ والتي تقع على مقربة من حاجز تابع لفصيل جيش الشرقية وفصيل الحمزات، حيث يقوم الفصيلين بفرض إتاوات متفاوتة على جميع المارين.

ورصدت ليلون توزع قيادات فصيل “السلطان مراد” في ناحيتي بلبل وشران، حيث تخضع قرى ناحية بلبل وبعض من القرى في ناحية شران لسيطرة فصيل “السلطان مراد” بقيادة كل من “أبو وليد العزه” وثان يدعى “حنش” وثالث يدعى “شيخ” والذي ينحدر الأخير من غوطة دمشق. يتقاسم القياديون فيما بينهم قرىً من ناحية شران وناحية بلبل، حيث يسيطر المدعو شيخ على 15 قرية في ناحية شران من أصل 57 قرية، ويسيطر كل من أبو وليد وحنش على الأجزاء البقية.

وفي الأجزاء التي تخضع لسيطرة أبو وليد وحنش، فرض المدعوان إتاوة قدرها 2 – 3$ على كل شجرة وبنسبة 50% العائد للفصيل من أملاك المقيمين خارج المنطقة، و30% عائد للفصيل من الأهالي المقيمين داخل المنطقة، أما المدعو “شيخ”، قام بفرض إتاوة قدرها 2$ على كل شجرة وبنسبة 30% للمغتربين والمقيمين على حد سواء ضمن مناطق سيطرته في بعض قرى ناحية شران.

وفي قرية شيتكا التابعة لناحية موباتو/معبطلي، فرض فصيل السلطان سليمان شاه على أملاك المغتربين والمقيمين خارج المنطقة إتاوة قدرها 8$ على كل شجرة زيتون، وحسب مصادر خاصة بليلون، قام الفصيل المذكور بالاستيلاء على ألف شوال زيتون للأهالي المقيمين خارج المنطقة في قرية سيمالكه التابعة لناحية موباتو/معبطلي، ويتم أخذ شوال من بين كل عشر شوالات من كل عائلة مقيمة في القرية.

وعن هرب أحد الأهالي إلى حلب لعدم قدرته دفع الإتاوة لفصيل السلطان سليمان شاه-العمشات، يقول رياض الأحمد [5] (اسم مستعار) لباحث/ة ليلون:

” فرض على أحد أهالي قريتنا سناره إتاوة كبيرة تراوح قدرها قرابة ( 16000 – 17000) دولار ، ليُجبر الرجل على إثرها وضع سيارته وجراره الزراعي في مكتب عقاري لبيعها مقابل دفع الإتاوة، إلا أن المبلغ لا يُستطاع به دفع الإتاوة المطلوبة كاملةً، هو الأمر الذي دفع الرجل لأخذ قرار الذهاب إلى حلب بالسر “.

ويكمل الأحمد:

” أعلن فصيل السلطان سليمان شاه – العمشات عن قرار جديد يقضي عدم تسليم الأهالي لتنكات الزيت من المعصرة حتى بعد دفعهم الإتاوة للفصيل، حسب سيتم السماح باستخراج الزيت بعد تواصل بين مختار القرى والفصيل عن كل شخصٍ يأتي لاستلام زيته “.

وقام فصيل “أحرار الشرقية” بقيادة المدعو أبو تيماء بفرض 3 – 6$ على كل شجرة في ناحية راجو، وتم الضغط على الأهالي بتقديم سند تمليك رسمي لأملاكهم والتي يتم استخراجها من مدينة حلب على أن يتم إحضاره للمكتب الاقتصادي في الناحية.

وحسب المصادر والشهود ممن قابلهم الباحثون/ات والتقارير التي تم إصدارها من قسم الرصد والتوثيق في ليلون، تتعرض مناطق سيطرة فصيل السلطان سليمان شاه – العمشات لانتهاكات واسعة وتبلغ زيادةً ملحوظة عن غيرها من المناطق التي تخضع لفصائل الجيش الوطني السوري في عفرين.

رأي وتحليل قانوني:

تشكل الممارسات الموثقة في هذا التقرير انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، حيث تندرج تحت عدة أطر قانونية:

أولاً: وفقاً للمادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 والمتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب، تعتبر الممارسات الموثقة في المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا “مخالفات جسيمة” للاتفاقية، وتتضمن: المعاملة اللاإنسانية للمدنيين، تعمد إحداث معاناة شديدة، الحجز غير المشروع، أخذ الأموال والممتلكات بصورة غير مشروعة وعلى نطاق كبير.

ثانياً: تنتهك هذه الممارسات المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر: العقوبات الجماعية، تدابير التهديد والإرهاب، السلب، الاقتصاص من الأشخاص المحميين وممتلكاتهم.

ثالثاً: تتحمل تركيا، بصفتها القوة المسيطرة فعلياً على المنطقة، مسؤولية قانونية عن:

– حماية المدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرتها

– ضمان احترام القانون الدولي الإنساني

– منع الانتهاكات من قبل الجماعات المسلحة التابعة لها

– محاسبة مرتكبي الانتهاكات.

رابعاً: تنتهك هذه الممارسات القانون الدولي لحقوق الإنسان، وخاصة:

– الحق في الملكية الخاصة

– الحق في العمل وكسب العيش

– الحق في الأمن والسلامة الشخصية

– الحق في المساواة وعدم التمييز

وعليه، فإن هذه الممارسات تستوجب:

1. تحقيقاً دولياً مستقلاً في الانتهاكات الموثقة

2. محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات

3. تعويض الضحايا عن الأضرار المادية والمعنوية

4. وضع آليات رقابة فعالة لمنع تكرار هذه الانتهاكات

5. إلزام تركيا بمسؤولياتها القانونية كقوة احتلال مُسيطرة فعلياً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *