تفرض الفرقة الرابعة التابعة للجيش السوري حصاراً مشدداً على منطقة شهبا من خلال سيطرتها على الحواجز المتواجدة على الطريق الواصل بين مدينة حلب ومنطقة شهبا – ريف حلب الشمالي، التي تخضع لسيطرة الإدارة الذاتية، وهو الطريق الوحيد الذي يُعتمد عليه لإيصال الوقود والمستلزمات الطبية والمواد الإغاثية الشهرية المقدمة للأهالي المهجرين قسرياً من منطقة عفرين والذين يقيمون في المخيمات والبيوت المتضررة جراء القصف والزلزال. حيث تفرض تلك الحواجز ضرائب مضاعفة على السلع والبضائع المختلفة، بغية سماحهم بدخولها إلى المنطقة.
ومع حلول فصل الشتاء ونفاذ مخصصات المحروقات من مواد التدفئة والوقود، يعاني الأهالي من انقطاع تام للتيار الكهربائي منذ تاريخ 23 تشرين الثاني/نوفمبر2023، الذين يعتمدون في توفير الكهرباء على المولدات التي تعمل على مادة المازوت (الديزل) بسبب عدم توفر كهرباء الشركة.
وتقول “مها حجي/اسم مستعار” لـ”ليلون”، وهي إحدى المهجرات قسرياً وتقيم في منطقة شهبا:
“لقد توقفت مولدات الكهرباء عن العمل، وانقطعنا عن العالم الخارجي مع توقف أجهزة الموبايل والأنترنت، وها نحن في الظلام ونقاسي البرد بتغطية أنفسنا باللحاف”.
وسبب عدم توفر مادة المازوت لوسائط النقل في تعطيل تام للحياة والحركة في المنطقة، حيث تؤّكد “مها” أنّ:
“جميع وسائط النقل العامة في منطقة شهبا قد توقفت، ومعظم مؤسسات الإدارة الذاتية توقفت عن الدوام، نتيجة عدم توفر مادة المازوت للسيارات أيضاً”.
ويعتبر القطاع الصحي من أكثر القطاعات تضرراً من الحصار المفروض على المنطقة من حيث نقص أو/و فقدان الأدوية، وارتفاع قيمتها إنْ وجدت. وفق ما أكدت السيدة “زينب أوسو” التي تعمل في القطاع الصحي، أنّه:
“لم يسلم القطاع الصحي من الحصار الخانق هذا، حيث خرج مشفى “آفرين” و”تل رفعت” عن الخدمة بعد خمسة عشر يوماً من الحصار، عدا قسم العناية المركّزة، فلا شيء يضاهي كارثية من أن يخرج المشفى عن الخدمة في ظل هذا البرد والمرض المتفشي في المنطقة”.
ونتيجة تدهور القطاع الصحي من نقص الأدوية وعدم قدرة المشفيين من استيعاب المرضى، وكذلك افتقار المنطقة إلى عيادات تخصصية، تفاقمت الحالات المرضية التي نتج عن إحداها فقدان الطفلة “سوزدار حسن” لحياتها، والتي تبلغ من العمر ثلاث سنوات من قرية ترندة التابعة لمركز منطقة عفرين، والتي تقيم مع عائلتها في المخيّم، فتقول والدتها في هذا الصدد:
“لقد أصيبت طفلتي ببردٍ شديد نتيجة عدم توفر مصدر للتدفئة، واضطررنا على إثره نقلها إلى مشافي حلب بسبب عجز مشافي شهبا عن استقبالها. وقد تفاقمت حالتها الصحية وفق ما أفاد الأطباء، فأدى ذلك إلى وفاتها”.
وفي حال استمرار الحصار على هذا المنوال، قد يؤدي ذلك إلى خلق كارثة إنسانية كبيرة تزيد من معاناة الأهالي القاطنين، حيث تضيف “مها حجي” أنّ:
“هناك تخوف من من قبل أهالي المنطقة من توقف الأفران عن العمل، وانقطاع مادة الخبز، وهذا ينذر بحلول كارثة إنسانية قد تتسبب بمجاعة كبيرة. كما وهناك تخوف من توقف الصهاريج عن نقل مياه الشرب للأهالي.”
وتعاني المدارس أيضاً من فقدان وقود التدفئة، وكذلك توقف وسائط نقل الطلاب، الأمر الذي يعرقل سير العملية التعليمية في المنطقة. وتقول “علياء يوسف/اسم مستعار” وهي معلمة في إحدى مدارس المنطقة:
“الأوضاع صعبة في المدارس أيضاً، حيث ينشغل معظم طلابنا بالبرد، فلا يوجد وقود التدفئة، وجميع المدارس بلا مدافئ إلى الآن. لقد توقفت بعض المؤسسات عن العمل، كما أغلقنا المدارس لمدة ثلاثة أيام. ويخبروننا ذوو الطلاب بأنهم لا ينوون إرسال أبنائهم إلى المدارس إذا استمر الوضع هكذا.”
ويعاني الأهالي في تأمين بديل عن مادة المازوت في التدفئة، حيث لا يتوفر الحطب في المنطقة، وإنْ توفّر يكون بأسعار مرتفعة جداً لا يقوى الأهالي على شرائه، بالإضافة إلى منع دخول الغاز إلى المنطقة منذ سنوات من قبل الحواجز الأمنية. تشرح “علياء” قائلة:
“لقد قمنا بتركيب مدفأة الحطب في البيت، فنقوم بإحراق النايلون والألبسة المهترئة والقمامة، بسبب عدم توفر الحطب. ويقوم أحد جيراني كل صباح بجمع القمامة من أكياس البلاستيك وبعض الحطب والكرتون لإشعال المدفأة كمصدر للتدفئة والطبخ. معظم العائلات تعيش بهذه الطريقة.”
أدى انعدام مادة المازوت إلى شلل في الحياة العامة وتوقف معظم الأعمال مثل الفلاحة والحفريات وأعمال الصيانة والحرف المختلفة، وكذلك توقف وسائط النقل. وفي هذا الصدد تحدث السيد “مسعود طه/اسم مستعار”، ل”ليلون”، وهو مواطن مهجر قسرياً من عفرين ويقيم في بيت مهترئ كان قد تعرض لقصف الطيران وفيما بعد للزلزال، فيقول:
“تكاد تنعدم فرص العمل، وتزايدت نسبة البطالة، ويعتمد الأهالي في معيشتهم على المساعدات الإغاثية فقط. الوضع مأساوي جداً، والمعيشة صعبة. أنا عاطل عن العمل، وجالس في البيت. كنت أعمل أحياناً في جني البطاطا وأعمال حرّة، لكن الآن انعدمت كل الفرص.”
وعن ارتفاع أسعار المواد والسلع وخاصة الأدوية التي تضاعفت مؤخراً، يقول “مسعود”:
“ارتفعت أسعار الأدوية بشكل مضاعف 100%. ومن الصعوبة الحصول على حليب الأطفال، حيث يكاد ينقطع، ويفوق سعر كيس الحليب 100 ألف ليرة سورية، وهناك العديد من الناس غير قادرين على شرائه لأطفالهم.”
وفقاً لتقاطع إفادات الشهود والمصادر التي قابلها “ليلون” لغاية إعداد هذا التقرير، فإنّ سعر ليتر المازوت الحر في السوق السوداء يتراوح بين 13 و 14 ألف ليرة سورية، فتكون بذلك تكلفة تشغيل المدفأة في هذه الحالة يومياً 70 أو 80 ألف ليرة سورية، وهذا ما يفوق استطاعة الأهالي المادية.
وتحدث السيد “محمد شيخو” الرئيس المشترك لهيئة الإدارة المحلية والبلديات في الإدارة الذاتية لمقاطعة عفرين وشهبا قائلا:
“تمّ منع دخول مادة المازوت إلى منطقة شهبا من قبل حواجز الفرقة الرابعة للجيش السوري منذ تاريخ 20 تشرين الأول/أكتوبر 2023، حيث يعتمد ساكني منطقة شهبا على المولدات الكهربائية لتلبية حاجاتهم اليومية من الكهرباء. وبتاريخ 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 تم نفاذ الكمية المخزّنة من مادة المازوت، وخرجت المولدات عن الخدمة.”
وعن التوزيع الإداري الحالي لمنطقة شهبا، أوضح السّيد “محمد شيخو” أنّ:
“منطقة شهبا تتألف من خمس نواحٍ بحسب التوزيع الإداري الذي قامت بها الإدارة الذاتية. وهي: أحداث، فافين، أحرص، تل رفعت، شيراوا. بالإضافة إلى خمس مخيمات يقطنها أهالي عفرين المهجرين قسرياً، وهي: مخيم سردم في ناحية الأحداث، مخيم برخدان في ناحية فافين، مخيم شهبا في ناحية شيراوا، مخيم العودة في ناحية شيراوا، مخيم عفرين في ناحية الأحداث.”
الجدير بالذكر أنّ غالبية أهالي عفرين يقطنون منطقة شهبا – ريف حلب الشمالي منذ نزوحهم القسري بعد عملية “غصن الزيتون” التركية عام 2018 التي أدت إلى سيطرة تركيا والفصائل السورية المسلحة على منطقة عفرين.