أصدرت لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا، بتاريخ 10 تموز/ يوليو 2023، تقريراً خاصاً بعنوان “لا نهاية تلوح في الأفق”، تطرّقت فيه إلى أساليب التعذيب والانتهاكات التي تتم ممارستها ضد المحتجزين في السجون التي تسيطر عليها أطراف النزاع المختلفة في سوريا.
وخصَّ التقرير الانتهاكات التي ترتكبها جميع أطراف النزاع في سوريا، من ضمنها انتهاكات الجيش الوطني السوري المسيطر على مناطق (غرب الفرات) أي ريف حلب الشمالي؛ كإعزاز وجرابلس والباب وعفرين، إضافة إلى مناطق “عملية نبع السلام” (سري كانيه/رأس العين ومنطقة كري سبي/تل أبيض).
يتألف التقرير من 52 صفحة، اعتمد في منهجيته على 254 مقابلة تمّ إجراءها في الفترة ما بين شهر كانون الثاني/ يناير 2020 ونيسان/ أبريل 2023، بحضور الأشخاص أنفسهم كلما كان ذلك ممكناً، تطرّق فيها المتحدثون من شهود وضحايا ومصادر إلى أساليب التعذيب وسوء المعاملة التي تمت ممارستها في مرافق الاحتجاز لدى أطراف النزاع المختلفة في سوريا.
وسلّط التقرير الضوء على استمرار الانتهاكات وأساليب التعذيب المختلفة التي تتم ممارستها ضد الضحايا المحتجزين من الرجال والنساء في السجون السورية، واحتجاز المعتقلين/ات في ظروف قاسية مع تعرضهم/ن للتعذيب وسوء المعاملة.
وبيّن التقرير من خلال الأدلّة التي توصّل إليها، تورّط فصائل من الجيش الوطني بارتكاب انتهاكات في سياق الاحتجاز ترقى إلى جرائم حرب، تتمثل في التعذيب والمعاملة القاسية واحتجاز الرهائن والعنف الجنسي، إضافة إلى الإخفاء القسري. ومن بين الفصائل التي تدير مرافق الاحتجاز وفقاً للتقرير: “فصيل سليمان شاه، حمزة، السلطان مراد، أحرار الشام، أحرار الشرقية، فيلق الشام، ومحمد الفاتح، إضافة إلى المرافق التي تشرف عليها الشرطة المدنية.”
وأشارت الإفادات إلى ارتكاب هذه الممارسات داخل مرافق مؤقتة أو سرّية تديرها فصائل محدّدة من الجيش الوطني باستخدام وسائل تعذيب لانتزاع الاعترافات أو معلومات قد تؤدّي إلى تجريمهم. وأنّ معظم الضحايا هم من الكرد: “ويشمل الضحايا على وجه الخصوص الأشخاص الذين يشتبه أنّ لهم صلات بوحدات حماية الشعب الكردية أو قوات سوريا الديمقراطية. وتمّ استجواب المعتثلين – ومعظمهم من أصل كردي – حول عقيدتهم وانتمائهم الإثني ومُنع عنهم الغذاء أو الماء.”
ووثّقت اللجنة حالات من العنف الجنسي قد تعرّض لها ضحايا محتجزون من نساء ورجال على حدّ سواء، حيث ذكر التقرير: “وفي بعض الأحيان تعرّضت الضحايا للتحرّش أمام المحتجزين الذّكور، بينما أُجبر الأقارب الذكور على الاستماع إلى صراخ النساء أثناء تعرّضهن للضرب أو الاعتداء.”
بالإضافة إلى عدم السّماح للضّحايا المحتجزين بالتّواصل مع أحدٍ من أقربائهم وعدم كشفْ مصيرهم لأحدٍ منَ المقربين إلّا بعدَ دفع رشاوي، وجاءَ في هذا الصدد: “ووصفت امرأة أخرى كيف أنّها علِمت بمكان وجود زوجها بعد ثلاثة أشهر فقط من اعتقاله في حزيران/يونيو 2022 لأنّه أُصيب بنوبةٍ قلبية في الحجز ونُقل إلى مشفى.”
وكشف التقرير تفاصيلاً هامّة حول إدارة الحكومة السورية المؤقّتة نظام المحاكم والسّجون وأماكن الاحتجاز، بمشاركة كبيرة من الحكومة التركية، وأشار التقرير إلى الدور التركي المباشر بالمشاركة في عمليات التعذيب لاستجواب الضحايا، حيث ورد: “ساعد مسؤول تركي في وضع الضحية في الشبح أثناء استجوابه من خلال مترجم حول صلاته بوحدات حماية الشعب، وهدّد المعتقل بالاغتصاب.”
وأشار التقرير إلى تقاعس القوات التركية دون أي تدخّل منهم لوقف الممارسات التي تتم بعلمها أو بحضور مسؤوليها، وذكرت: “أنّ القوات التركية، بتقاعسها عن التدخل لمنع التعذيب أثناء وجودها أو عند علمها بطريقة أخرى باستخدام التعذيب، ربّما تكون قد انتهكت التزاماتها بموجب اتفاقية جنيف الرابعة.”
كما أورد التقرير بوضوح أمثلة عن حالات التعذيب وسوء المعاملة التي أدّت إلى وفاة معتقلين في مراكز الاحتجاز والاعتقال: “ووثّقت اللجنة أيضاً حالات أدى فيها التعذيب وسوء المعاملة إلى وفاة معتقلين بمن فيهم محامٍ كردي توفي في كانون الأول/ديسمبر 2022 أثناء احتجازه لدى الشرطة المدنية التابعة للجيش الوطني السوري.”
وخلص التقرير إلى نتائج واستنتاجات وتوصيات، منها: “التوقف فوراً عن ممارسات الاحتجاز مع منع الاتصال والاختفاء القسري وممارسات احتجاز الأشخاص في أماكن احتجاز سرّية. السماح فوراً للمراقبين المستقلين بالوصول إلى جميع أماكن الاحتجاز. التوقف فوراً عن جميع أعمال التعذيب والمعاملة السيئة، بما في ذلك الاعتداء الجنسي وإعدام المحتجزين وإصدار توجيهات وأوامر واضحة بهذا المعنى. اتخاذ تدابير لإجراء تحقيق مستقل في جميع الانتهاكات المتعلقة بالاحتجاز.”