يعاني المهجرون قسراً من منطقة عفرين السورية من تحديات متزايدة عقب اندلاع الحرب الأخيرة في لبنان، والتي أدت إلى موجة نزوح جديدة، لكن هذه المرة نحو سوريا وليس منها، مما أثر سلباً على أوضاع اللاجئين السوريين الذين كانوا قد لجأوا إلى لبنان منذ بداية النزاع السوري في 2011.
بعد سيطرة فصائل الجيش الوطني السوري على منطقة عفرين السورية في آذار/مارس 2018، عقب عملية “غصن الزيتون” التركية، شهدت مناطق عفرين والبلدات المجاورة حركة نزوح للسكان الأصليين، حيث اختار بعضهم وجهته إلى لبنان، بسبب الوضع الاقتصادي المتردي في المناطق السورية وعدم قدرة الأهالي على العودة إلى منطقتهم بسبب الانتهاكات.
ووفق تقديرات الحكومة اللبنانية، فإن أكثر من مليون ونصف المليون لاجئ سوري يعيشون في لبنان، مما يشكل ضغطاً كبيراً على البنية التحتية والاقتصاد اللبناني الهش أصلاً، ومع اندلاع الحرب الأخيرة في لبنان، تفاقمت أوضاع هؤلاء اللاجئين بشكل كبير، حيث أصبحوا عالقين بين نارين: العودة إلى سوريا حيث المخاطر الأمنية والاقتصادية، أو البقاء في لبنان وسط صراع متصاعد.
ووفق شهادات مهجرين قسراً من مدينة عفرين المقيمين/ات حالياً في لبنان، ممن قابلتهم “ليلون”، يواجه المهجرون مصاعب متعددة إزاء الحرب الحالية، التي أدت إلى تفاقم معاناتهم في اتخاذ قرار العودة أو البقاء.
أمير محمد [1]، اسم مستعار لشاب يبلغ من العمر 27 عاماً من منطقة عفرين، كان قد لجأ إلى لبنان بعد عملية “غصن الزيتون” في 2018، تحدث لباحث “ليلون” قائلاً:
“الوضع صعب للغاية بعد اندلاع الحرب في لبنان. العديد من السوريين عادوا إلى سوريا، لكنني لا أستطيع العودة لأنني شاب وسأجبر على التجنيد الإجباري. كمهجر قسراً، معاناتي مضاعفة، ولا أستطيع العودة إلى عفرين خوفاً من الاعتقال”.
وأضاف أمير عن معاناته كمهجر قائلاً:
“لقد تواصلت عائلتي عدة مرات معي وشجعوني على قرار العودة إلى سوريا، لكنني لا أستطيع العودة لعدم وجود عمل هناك. إن الحل الوحيد لي كمهجر قسراً هو السفر إلى أوروبا عبر طريق غير شرعي، لأن الإجراءات في الدول المجاورة معقدة للسوريين، وليس باستطاعتي السفر حالياً إلى أوروبا إلا بعد أن أوفر المبلغ المطلوب. أنا مجبر للبقاء هنا لعدم وجود حل أفضل”.
وتشير شهادة أخرى لـ”ليلون” إلى مشكلة إضافية يواجهها المهجرون من الأقليات الدينية، حيث يخشون التمييز والاضطهاد في حال عودتهم إلى المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة، وحولها شارك نهاد حسين [2]، وهو مُهجر من منطقة عفرين ويقيم في بيروت، معاناته مع “ليلون” مشيراً إلى التحديات التي تواجهه كمهجر قسراً، بالقول:
“باتت فكرة العودة إلى عفرين مستحيلة بالنسبة لي، لأن الفصائل المسلحة التابعة للجيش الوطني السوري ستعتقلني فور وصولي، كما أنني أعتنق الديانة المسيحية، وهذا ما يجعلني عرضةً للمزيد من المخاطر، بجانب أنني لا أستطيع العودة إلى المناطق السورية الأخرى بسبب التجنيد الإجباري، وسيغدو مستقبل أبنائي على المحك”.
كذلك تؤكد شهادة ثالثة لـ”ليلون” على حالة عدم اليقين التي يعيشها المهجرون، حيث يجدون أنفسهم عالقين بين خيارات محدودة وصعبة، ومنهم أحمد علو [3]، وهو اسم مستعار لشاب من عفرين يقيم في لبنان منذ عام 2018، حيث أوضح أنه غادر سوريا بسبب الفقر المدقع في حلب، بعد سيطرة الفصائل المسلحة على عفرين، لكن مع الحرب الجديدة في لبنان، وجد نفسه في وضع لا يحسد عليه، وقال:
“ومع بدء الحرب في لبنان وعودة عدد كبير من اللاجئين السوريين إلى بلادهم، أنا وكثيرون من المهجرين قسراً في حيرةٍ من أمرنا، لأنني لا أستطيع العودة إلى مسقط رأسي عفرين لأنني سأتعرض للاعتقال من قبل الفصائل المسلحة عدا الانتهاكات التي تحدث هناك، ولا أستطيع العيش في المناطق السورية الأخرى بسبب التجنيد الإجباري. لا يوجد حلٌ لدينا في الوقت الحالي سوى البقاء أو اختيار وجهةٍ وبلادٍ أخرى ما إذ تقطعت بنا كل السبل”.
وأضاف: “نحن الآن في حالة انتظار وترقب، لا نستطيع العودة ولا نعرف ما إذا كان هناك قرار في الهجرة إلى بلد آخر”.
كما سلطت حادثة مأساوية الضوء على المخاطر الإضافية التي يواجهها اللاجئون السوريون في لبنان وسط الصراع الدائر، حيث أصبحوا عرضة للخطر حتى في أماكن عملهم، حيث أكد مصدر مقرب من أحد الضحايا الذين فقدوا حياتهم إثر الحرب الجارية في لبنان، لـ”ليلون”:
“فقد الشاب وليد جمال البالغ من العمر 23-24 عاماً حياته، وهو على رأس عمله إثر قذيفة عشوائية استهدفت المعمل الذي كان يعمل فيه، ينحدر الشاب من قرية خلولكو التابعة لناحية بلبله في منطقة عفرين، كان وليد إحدى الضحايا الذين اختاروا السفر إلى لبنان ليأمنوا لقمة عيشهم في ظل الوضع المعيشي المتردي في سوريا، واستمرار الانتهاكات في منطقة عفرين التي تعيق عودة الشباب إلى المنطقة”.
وعليه، يعيش الأهالي من المهجرين قسراً معاناةً مزدوجة، فمن جهة، لا يستطيعون العودة بسبب الانتهاكات الجارية في منطقة عفرين، ومن جهة أخرى، باتت حياتهم في لبنان مهددة نتيجة الحرب، وتتزايد معاناتهم يوماً بعد يوم، وسط عدم وجود أي بوادر تلوح في الأفق لحل أزمتهم.
رأي وتحليل قانوني:
إن الوضع الذي يعيشه المهجرون قسراً من عفرين في لبنان يثير العديد من القضايا القانونية والإنسانية، ووفقاً للقانون الدولي، وتحديداً اتفاقية اللاجئين لعام 1951 وبروتوكولها لعام 1967، فإن مبدأ عدم الإعادة القسرية يحظر على الدول إعادة اللاجئين إلى بلدانهم الأصلية إذا كانت حياتهم أو حريتهم معرضة للخطر هناك.
وفي حالة المهجرين من عفرين، يبدو أن هناك مخاوف مشروعة من الاضطهاد والاعتقال التعسفي في حال عودتهم، مما يجعل إعادتهم القسرية أمراً مخالفاً للقانون الدولي، ومع ذلك، فإن استمرار الصراع في لبنان يضع هؤلاء اللاجئين في وضع صعب للغاية.
ومن الناحية القانونية، يقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية توفير الحماية لهؤلاء اللاجئين، سواء من خلال دعم لبنان في استضافتهم، أو من خلال برامج إعادة التوطين في بلدان ثالثة آمنة، كما أن هناك حاجة ملحة لمعالجة الأسباب الجذرية للنزوح في سوريا، بما في ذلك وقف الانتهاكات في عفرين وضمان عودة آمنة وكريمة للمهجرين.