أهم جوانب معاناة مهجّري عفرين والتحديات التي يواجهونها، وآليات اندماجهم في المجتمع المضيف
مقدمة:
بدأت الحرب التركية بمشاركة قوى المعارضة السورية التابعة لها على عفرين في 20 كانون الثاني/يناير 2018 واستمرت لمدة 58 يوماً، انتهت باحتلال مدينة عفرين مركز المنطقة في 18 آذار/مارس 2018، نتج عن ذلك تهجير قسري لأكثر من نصف سكان المنطقة الأصليين، ورافقت عملية الاحتلال انتهاكات لحقوق الإنسان شملت عمليات القتل والاعتقال والتعذيب للمتبقين من السكان الأصليين، وكذلك الاستيلاء على ممتلكاتهم وبيوتهم من قبل الفصائل المسلحة المنضوية تحت ما يسمى بالجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، وفق ما أكدتها تقارير حقوقية محلية ودولية.
عبّر معظم الذين تمّت مقابلتهم عن ظروف التهجير القسري التي مرّوا بها بعد احتلال المنطقة مسردين تفاصيل دقيقة حول كيفية وصولهم لمنطقة شهبا ومنها إلى مناطق شرق الفرات، ومنها إلى قامشلي، وتخلّلت كل مرحلة صعوبات وتحديات نفسية واقتصادية كبيرة جداً، كما أشار البعض منهم إلى حالات الاستغلال التي قام بها تجّار البشر في كل من بلدتي نبل والزهراء بحق أهالي عفرين الهاربين من جحيم الحرب، وكذلك تجّار الأزمات والحروب في مناطق الجزيرة.
تشابهت معظم حالات النزوح ومعاناتهم لدى مهجّري عفرين، فمنهم من خرج باتجاه كردستان العراق وعاد مع عائلته لعدم حصوله على فرصة عمل مناسبة، ومنهم من اضطر لبيع سيارته أو منزله في مدينة حلب لتأمين مصاريف التنقل والأكل والشرب لعائلته في ظل حالة إنسانية صعبة لم يستجب لهم بالشكل الكافي المنظمات الإنسانية والحقوقية والإغاثية، كما لم يقم الإعلام المحلي بدوره المطلوب منه تجاه تصوير معاناتهم والظروف الصعبة جداً التي مروا بها.
منهم من استطاع البدء من جديد في تكوين نفسه، ونجح في ذلك، إلا أنّ تلك الفئة لم تكن سوى القلة القليلة، وما يزال الكثير منهم في حالة من التخبّط دون أن يدبّ فيهم الاستقرار، فتراه يتنقل بين مناطق شهبا وحلب والجزيرة والفرات والرقة وكردستان العراق بحثاً عن ظروف أفضل وفرص عمل تنقذهم من حالة الفوضى واللا استقرار.
كما أدّى النزوح القسري إلى خلق شرخٍ واضح وتشتت بين الأقارب والأحبّاء؛ فمنهم من عاد مضطراً إلى عفرين واضعاً نصب أعينه جميع الاحتمالات وفقاً للقاعدة التي تقول “إنْ كان هناك موتٌ فليكن في بيتي وعلى أرض أجدادي”، بينما آخرون بقوا في مخيمات النزوح بمنطقة شهبا متطلعين لما تفضي إليه الأوضاع في المستقبل ويتحقق لهم حلم عودة آمنة وكريمة، بينما البعض الآخر انتقل عبر مهرّبين مع عوائلهم إلى مدينة حلب بهدف استكمال تعليم أولادهم، واضعين أمامهم تحديات الظروف الاقتصادية السيئة في مدينة حلب، لكنّ ربّما سيحظى أولادهم بمستقبل أفضل. وآخرون توجهوا إلى مناطق شرق الفرات لعلّ وعسى يجدون فرصاً أفضل للعمل فيها.
بالإضافة إلى الذين توجّهوا إلى تركيا وكردستان العراق ولبنان، بينما لا تزال محاولات الوصول إلى أوروبا مستمرة رغم المخاطر التي يواجهونها على الطرقات البرية والبحرية.
لم يقتصر التشتت والتبعثر بين الأقرباء والأحبّاء فقط، بل طالت حتى العائلة الواحدة نفسها، مثال: عائلة تقيم في شهبا وأحد أبنائها يقيم في قامشلي للدراسة أو للعمل، وآخر قد عاد إلى عفرين تاركاً أولاده وزوجته في حلب أملاً باسترجاع جزء من أملاكه المستولى عليها رغم المخاطر الأمنية.
استقر معظم مهجرو عفرين الذين انتقلوا إلى مناطق شرق الفرات في منطقتي كوباني والجزيرة، إلّا أنّ التهديدات التركية والهجمات المستمرة أدّت إلى موجات نزوح متكرّرة باتجاه الطبقة والرقة وقامشلي والحسكة بحثاً عن الأمن والأمان، وكانت مدينة قامشلي المكان الأفضل لأهالي عفرين لعوامل عدة، أهمها أنها مدينة تتوفر فيها كافة متطلبات العيش، وكذلك لتوفر فرص عمل أكثر من المناطق الأخرى، ولتوفر فرص الاستثمار وإقامة المشاريع فيها، إضافة إلى أنّها المنطقة الأكثر قرباً من عفرين من حيث التركيبة الاجتماعية والثقافية والسياسية.
قدّر عدد عوائل المهجرين قسرياً من عفرين المقيمين في مدينة قامشلي وحده بحوالي 500 عائلة وفق إحصائيات غير دقيقة لرابطة عفرين الاجتماعية[1]، كما أنّ هناك (182) طالباً وطالباً من عفرين يداومون في كليات ومعاهد جامعة روجافا في مدينة قامشلي[2] وحدها، وفق إحصائيات إدارة الجامعة في بداية عام 2024. بينما تقيم (320) عائلة في مدينة الحسكة وفق إحصائيات غير رسمية، موزعين بين مراكز الإيواء وبين الأحياء السكنية في المدينة.
المنهجية:
اعتمدت ليلون في هذه الورقة البحثية على تحليل 34 مقابلة فيزيائية أُجريت مع مهجرين قسرياً من عفرين منذ 2018 المقيمين في مدينتي قامشلي والحسكة (معظمها كانت مع المقيمين في قامشلي). شملت المقابلات فئات عمرية مختلفة؛ 13 من الذكور و21 من الإناث، منهم: 11 من فئة الشباب، 11 من فئة البالغين، 3 من كبار السن.
جرت المقابلات من قبل عدد من جامعي البيانات من فريق ليلون بعد تلقيهم تدريباً حول إجراء المقابلات بطريقة مهنية وتعبئة الاستمارة بلغة سليمة واضحة والتي صُمّمت خصيصاً لإجراء تلك المقابلات بهدف معرفة مدى اندماج المهجرين في المجتمع المضيف، وإظهار جوانب المعاناة والتحديات التي يواجهونها في أماكن النزوح القسري، وبالتالي الجوانب التي ينبغي العمل عليها في عملية الإدماج.
تمّ التركيز في الاستمارة على الجوانب الأساسية للمعاناة لدى المهجرين والتحديات التي يواجهونها، وهي: التحديات النفسية، والتحديات الاقتصادية، والتحديات الاجتماعية، وكذلك التحديات القانونية والإدارية، إضافة إلى صعوبات التكيّف في المجتمع المضيف، ومستويات التعاون في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والنفسية بين المجتمعين: المضيف والمهجّر.
بناءً على طلب المهجرين الذين/اللواتي أجريت معهم/ن المقابلات، تمّ إخفاء المعلومات الشخصية الخاصة بهم/ن وتقديم شهاداتهم/ن باسم مستعار، اختاروه هم/هن بأنفسهم وفقاً لما هو مدوّن في استمارة المقابلة.
أسباب اختيار مدينة قامشلي مكاناً للاستقرار:
يوضّح التقرير من خلال المقابلات التي أُجريت مع مهجّري عفرين المقيمين في مدينة قامشلي السورية أهداف وأسباب اختيار معظم المهجرين لهذه المدينة مكاناً للإقامة بعد تهجيرهم القسري من منطقة عفرين في آذار 2018، وتعدّدت الأسباب على الشكل الآتي، حيث أظهرت النتائج أنّ: 6 أشخاص من 34 اختاروا قامشلي لأنّها مكان آمن نسبياً، و 11 بسبب توفر فرص العمل، و16 لإكمال دراستهم بعد حصولهم على الثانوية في عفرين وفيما بعد في منطقة نزوحهم بشهبا لعدم وجود جامعة هناك، بينما قال 1 بأنه/ا جاء/ت لأسباب المعالجة الطبية.
وتقول “كلستان/اسم مستعار” وهي معلمة، نزحت بتاريخ 15آذار/مارس 2018 من عفرين إلى مناطق شهبا ومنها إلى مدينة قامشلي، وهي أم لشابين كانا يدرسان في جامعة عفرين، وتركا الدراسة بسبب النزوح، أُجريت معها مقابلة فيزيائية بتاريخ 25 حزيران/يونيو 2024: “بتاريخ 15/3/2024 نزحت مع أولادي وزوجي وأخواتي سيراً على الأقدام من وسط عفرين، وبعدها توجهنا مع القوافل المتجهة إلى الجزيرة إلى مدينة قامشلي، حيث أقمنا عند بعض المعارف إلى أنْ قدموا لنا منزلاً أقمنا فيه مع عائلات أخواتي، وفيما بعد حصلنا على فرص العمل واستأجرنا منزلاً خاصاً بنا“.
وعن سبب مجيئها إلى هنا واختيارها لمدينة قامشلي كمكانٍ للاستقرار، تقول: “بأنها انتقلت بحثاً عن مكانٍ آمن، وقد واجهت صعوبات كبيرة في بداية استقرارها، حيث سكنت مع عوائل أخواتها في بيتٍ واحد بالآجار، وكانوا بلا عمل”.
ويقول في هذا الصدد “رولان /اسم مستعار”، الذي أُجريت معه مقابلة فيزيائية بتاريخ 7 تموز/يوليو 2024 الذي كان طالباً في كلية الطب بجامعة عفرين، فاضطر لترك الدراسة والتفرغ للعمل بسبب عدم وجود فرع الطب في جامعة روجافا بمدينة قامشلي في ذلك الوقت: “وقتها القرار كان لوالدي وتوفر فرصة عمل له في الجامعة. وكنت طالبا في كلية الطب في عفرين لم استطيع اكمال دراستي بسبب عدم توفر فرعي هنا واضطررت للعمل لمساعدة عائلتي في النفقات”.
بينما تقول السيّدة “نيروز/اسم مستعار”، وهي معلمة لغة كردية والتي أجري معها مقابلة فيزيائية بتاريخ 6 تموز/يوليو 2024 عن سبب اختيارها لمدينة قامشلي: “بالصدفة! لم نكن ننوي الاستقرار في قامشلي. بعد أن ذهب زوجي إلى كردستان العراق لنلتحق به فيما بعد. لم يعجبه الوضع هناك، وطلب منا المجيء إلى قامشلي، وعاد إلى هنا واستأجرنا بيتاً، ورتّب أمور عمله هنا وما زلنا نقيم هنا”.
وعن وضع السكن والإقامة بالنسبة للمهجرين الذين تمّت مقابلتهم، فقد أكّد 22 شخصاً أنهم يقيمون في منازل مستأجرة، و11 طالباً وطالبة يقيمون في السكن الطلابي، بينما قال 1 فقط أنّه يسكن في منزل ملك، قد اشتراه بعد النزوح القسري.
بعد فقدان المهجّرين لمصادر رزقهم وعملهم في قراهم ومناطقهم، ولجوئهم إلى مناطق النزوح المختلفة، تمكّن البعض منهم إيجاد فرص عمل مناسبة، حتى أنّ بعضهم استطاعوا تطوير مشاريع خاصة، إلا أنّ معظمهم بقوا يعانون من عدم الاستقرار في مصادر الدخل نتيجة عدم قدرتهم على إدارة أملاكهم في عفرين بعد استيلاء الفصائل المسلحة عليها. حيث أفاد 27 من الذين تم مقابلتهم أنّ مصادر دخلهم الرئيسي هي عملهم اليومي، و13 قالوا بأنها مساعدات داخلية كانت عبارة عن مساعدات شهرية تقدّمها جامعة روجافا لطلاب المناطق المحتلة لديها، وقال 3 أشخاص بأنّ لديهم مشروع خاص استطاعوا القيام بها وتطويرها فيما بعد، بينما قال 2 أشخاص بأنهم يعتمدون في بعض الأحيان على مصادر خارجية من أقرباء لهم في دول المهجر.
صعوبة تأمين المتطلبات المعيشية بسبب ارتفاع الأسعار:
أكّد معظم المستهدفين في المقابلات بأنهم غير قادرين على تأمين كافة متطلبات أسرهم بسبب ارتفاع الأسعار وآجار البيوت، وتدني مستوى الدخل نتيجة تدنّي الرواتب التي غالباً تكون أقل من 100 دولار شهرياً، حتى أنّ بعضهم قال بأنهم لا يستطيعون شراء اللحم إلا نادراً، ويكون تركيزهم فقط على الضروريات الحياتية، وهذا يشير إلى استمرار معاناتهم الاقتصادية، حيث أكد فقد 2 أشخاص بأنهم قدرون على تأمين كافة متطلبات الأسرة، في حين أكّد 28 بأنهم لايستطعيون تأمين جميع المتطلبات لأسرهم، بينما قال 4 فقط بأنهم يحاولون تأمين ما يحتاجونها إلى حدّ ما.
في حين أكّد الطلاب/الطالبات المقيمين/ات في السكن الجامعي أنّ المساعدة المقدمة لديهم لا تكفي لسد احتياجاتهم، خاصة أنّ معظم أهاليهم يقيمون في مخيمات النزوح ولا يتلقون رواتب شهرية، وقد فقدوا أملاكهم وأرزاقهم ومواسمهم وسبل العيش في عفرين، ولم يبقى لهم مصدر آخر، حيث تقول الطالبة “بيريفان خليل/اسم مستعار” التي أجريت معها مقابلة فيزيائية بتاريخ 04 تموز/يوليو 2024 في هذا الصدد: “لا أستطيع تلبية جميع احتياجاتي، حيث أنّ المساعدة المالية المقدمة لنا لا تكفي، خاصةً مع ارتفاع أسعار المواد بشكل كبير، والمبلغ المالي المقدّم لنا غير كافٍ. ولا يوجد أحد يقدّم لي أي مساعدة، لذا أضطر للاقتراض”.
بينما تقول الطالبة “ماربيل حسن/اسم مستعار” من جامعة روجافا وتقيم في السكن الطلابي، وقد أجريت معها مقابلة بتاريخ 04 تموز/يوليو 2024: “لا أستطيع تأمين كافة متطلباتي كوني طالبة جامعية، ووضع أسرتي ليست جيدة كوننا مهجّرون، وليست لدي وظيفة أعمل فيها، وأقيم في السكن الجامعي، ويترتب عليّ مصاريف دراسية (طباعة المحاضرات والمقررات الجامعية)، وهي من المتطلّبات الأساسية بالنسبة لنا، وهذا الأمر صعب عليّ في كثير من الأحيان”.
ويقول “خبات/اسم مستعار” في المقابلة التي أجريت معه بتاريخ 29 حزيران/يونيو 2024 والذي يعمل في إحدى مؤسسات الإدارة الذاتية وهو أب لطفلين ويقيم في منزل بالآجار: “نواجه صعوبة في تأمين جميع احتياجاتنا بسبب ارتفاع أسعار المواد والإيجارات، وفي إحدى المرات عندما مرضت ابنتي، اضطررت لأخذها إلى المشفى ولم أكن قادراً على دفع المبلغ بالكامل، لذا اضطررت أنْ أستدين مبلغاً لتسديد تكاليف المشفى، وإلى الآن لم أسدّد هذا الدين“.
ويقول السيّد “سيبان محمد/اسم مستعار” في مقابلة أجريت معه بتاريخ 03 تموز/يوليو 2024 عن عدم تمكنه من تأمين متطلبات أسرته: “لا بالطبع، لا أستطيع، بسبب الظروف المعيشية صعبة وغلاء اسعار السلع الضرورية، حيث تقيم والدتي معي وهي كبيرة في السن وبحاجة إلى رعاية طبية لأنها تعاني من أمراض عدّة، نكاد لا نستطيع تأمين تكاليفها الطبية في الكثير من الأحيان، مما اضطرّ للاستدان من معارفي وأقربائي، بالإضافة إلى التكاليف التشغيلية من أمبيرات والغاز الذي يتجاوز سعره 150ألف ل.س، مما يستوجب ذلك في كثير من الأحيان استخدم بابور الكاز”.
ويسرد السيّد “حجي محمد/اسم مستعار” الذي أجريت معه مقابلة فيزيائية بتاريخ 6 تموز/يوليو 2024 مثالاً عن جوانب المعاناة قائلاً: “في موقفٍ مؤلم حدث معي لا أنساه؛ عندما كنت أقيم في بلدة تل تمر، بعد أنْ فقدت كل ما معي من مال، تعطلت سيارتي، فأُجبرت على إصلاحها بسبب عدم استقرار الوضع الأمني هناك. كان عليّ أن أقترض من شخصين، ورغم أنهما كانا يساعداني، إلّا أّنني تمنيت لو لم أضطرّ للطلب منهما حين طلب أحدهم إعادة المال مع زيادة قدرها 100 ألف ليرة سورية، في الوقت الذي كانت سيارتي ما زالت في الورشة ولم تُصلح بعد. في لحظة من الضيق، تساءلت عن السبب الذي جعلني في هذه المواقف الصعبة، حيث كانت وضعي المادي جيداً في عفرين، ولم أكن بحاجة لمساعدة مالية من أحد“.
الصعوبة في التكيّف مع الطقس الحار، من أهم العوائق أمام المهجرين قسرياً في المجتمع المضيف:
والذي اتفق عليها جميع الذين/اللواتي أجريت معهم/ن المقابلات على أنّ أوّل تحدٍّ واجهوه كان الارتفاع الشديد في درجات الحرارة في فصل الصيف مقارنةً مع الطقس بمنطقتهم، وصعوبة التأقلم والتكيّف مع الطبيعة السهلية الصحراوية للمنطقة والجو الصحراوي الحار الذي يعيق نشاط الإنسان ويجبره في الكثير من الأوقات على المكوث في المنزل في ظل انقطاع الكهرباء المتكرّر وعدم وجود وسائل للتبريد. حيث بدا هذا الاختلاف في الطبيعة الجغرافية يزيد من تعلّقهم واشتياقهم وإصرارهم على العودة إلى منطقتهم التي تتمتع بمناخٍ معتدل، والتي لم يعتادوا على استخدام المكيفات للتبريد، ولا حتى المراوح في معظم القرى الجبلية. وكذلك افتقار المنطقة إلى الغطاء النباتي وقلّة الأشجار والغابات والمزارع، وقلة أماكن الاصطياف والتنزّه زاد من صعوبة التكيّف والتأقلم مع هذه البيئة.
تقول السيدة “زنارين/اسم مستعار” في المقابلة التي أُجريت معها بتاريخ 30 حزيران/يونيو 2024 في هذا الصدد: “هناك اختلاف من ناحية البيئة الطبيعية، حيث أنّ عفرين طبيعتها معتدلة بينما الطبيعة هنا جافة وشديدة الحرارة، وإلى الآن لا أستطيع التأقلم مع هذا الجو، لأنّ نمط الحياة اختلفت لدينا. فالحياة هنا تتوقف من الساعة الواحدة ظهراً إلى الساعة الرابعة بعد الظهر نتيجة الحرّ الشديد، كما أنّ الأجواء هنا تفتقر إلى الليالي والسهرات الصيفية، وتفتقر المنطقة إلى المنتزهات وأماكن الاصطياف”.
إنّ اختلاف البيئة الطبيعية والمناخ قد أثرا سلباً على الوضع النفسي لمهجري عفرين، الذين اعتادوا اللجوء إلى الطبيعة كلما ضاقت بهم السبل وواجهوا صعوبات نفسية، حيث الهواء العليل والأجواء الساحرة والطبيعة الجميلة، حيث يعبّر عن ذلك بوضوح “زكرياعفرين/اسم مستعار” في المقابلة التي أُجريت معه بتاريخ 01 تموز/يوليو 2024 قائلاً: “بيئة عفرين معتدلة، ليس هناك آلة في عفرين تسمى (المروحة) لأنّنا لم نكن نحتاجها، جوّها لطيف. عفرين منطقة سياحية بامتياز بتضاريسها المتنوعة من أشجار وجبال ووديان وأنهار. أتذكر بيتي في عفرين وإطلالته الساحرة، مهما كنتُ مضغوطاّ، فبمجرد أنْ أجلس على شرفتي وأحتسي فنجان القهوة كانت تتعدّل نفسيتي”.
حيث تعتبر ارتفاع درجات الحرارة واحدة من أولى التحديات التي يواجهها المهجرون في المجتمع المضيف، فتضيف الطالبة “مريم عبدو/اسم مستعار” في المقابلة التي أُجريت معها بتاريخ 30 حزيران/يونيو 2024 قائلةً: “واحدة من أكبر التحديات التي أواجهها هي اختلاف درجات الحرارة، حيث كان الصيف في منطقتنا معتدلاً مع وجود رطوبة في الجو، بينما تجد هنا درجات حرارة شديدة وجافة تشبه الصحراء بدون وجود أشجار أو ماء ولا توجد مواقع مناسبة للرحلات“.
القدرة على التكيف مع المجتمع المضيف:
يؤكّد معظم الذين أُجريت معهم المقابلة أنّهم لم يجدوا صعوبات كبيرة من النواحي الاجتماعية في التكيّف مع المجتمع المضيف، حيث أنّ ذات غالبية كردية، ومعظم سكانها يتحدثون الكردية، وميولهم متشابهة إضافة إلى تشابه معظم العادات والتقاليد الدارجة، واستطاعوا في فترة قصيرة تكوين العديد من الصداقات والانخراط والاندماج في المجتمع بسرعة، متخطّين بذلك العوائق والتحدّيات المناخية والجغرافية.
يتحدث في هذا الصّدد “بافي جيهان/اسم مستعار” في المقابلة التي أُجريت معه بتاريخ 13حزيران/يونيو 2024 قائلاً: “لم أجد صعوبة من ناحية اللّهجة كوني طالب قسم اللغة الكردية، وحتى العادات والتقاليد متشابهة نوعا ما”.
وتقول “أمينة محمد” في المقابلة التي أُجريت معها بتاريخ 29 حزيران/يونيو 2024: “لم أجد صعوبة من ناحية اللهجة بسبب الزيارات المتبادلة السابقة مع بعض معارفنا من قامشلي، لكن عاداتنا لا تتشابه من ناحية أنواع الأطعمة”.
بينما أفاد البعض الآخر أنّهم واجهوا صعوبات في البداية من ناحية اللهجة، حيث لم يكن أبناء المجتمع المضيف يفهمون عليهم بسرعة، كما أنّ هناك اختلاف في بعض العادات والتقاليد، وتأثير العادات العشائرية ما زال طاغياً إلى حدّ ما، خاصة فيما يتعلق بدور النساء في المجتمع، إضافة إلى بعض التأثيرات الدينية على بعض الجوانب الحياتية.
يقول “رولان /اسم مستعار” في المقابلة التي أُجريت معه بتاريخ 7 تموز/يوليو 2024 في هذا المجال: “طبعاً في البداية كان اختلاف اللّهجة عائقاً، لم يكن أهالي المنطقة يفهمون على لهجتنا، تأقلّمت مع البيئة مع تحفّظ لبعض المصطلحات التي مازلت أجد صعوبة فيها. أمّا من ناحية العادات والتقاليد فهي مختلفة عن منطقتنا، حيث أنّ التمسك بالدين الإسلامي أقوى الذي يشكّل ضغطاً علينا كأقلية دينية إيزيدية، حيث نلتمس هنا بعض التمييز، أمّا في عفرين لم يكن هذا التميز موجوداً، مثال ذلك؛ تختلف مجالس النساء أثناء حالات الوفاة عن مجالس الرجال”.
وتتحدث “سيماف علي/اسم مستعار”، وهي مهجّرة وتزوجت من المجتمع المضيف، وقد أجريت معها مقابلة فيزيائية بتاريخ 28 حزيران/يونيو 2024 عن العادات والتقاليد المتشابهة بين مجتمع عفرين والمجتمع المضيف قائلةً: “فيما يتعلق بالعادات والتقاليد لم أواجه مشكلة كبيرة بسبب التشابه بشكلٍ عام لدى الكرد، لكن واجهنا موقفاً غريباً عندما ذهبنا أنا وزوجي إلى أحد الأعراس، حيث توجّب علينا الجلوس منفصلين بسبب عدم تقبل الرجال والنساء للجلوس معاً“.
ويضيف الطالب الجامعي “سيزار علي/اسم مستعار” في المقابلة التي أُجريت معه بتاريخ 5 تموز/يوليو 2024 أنّ عدم فهمه للهجة أساتذته كان سبباً في رسوبه بالجامعة في السنة الأولى، حيث يقول: “واجهتُ صعوبة في بداية وصولي إلى هنا. عندما كنت في الجامعة وأحضر المحاضرات لم أستطع فهم لهجة أستاذ الجامعة، مما أدّى إلى رسوبي في بعض المواد، وكان عدم فهمي للّهجة يعيقني في تحقيق نجاحي في تلك المواد“.
أهم جوانب المعاناة المستمرة لدى مهجّري عفرين:
أظهرت المقابلات مع المهجرين قسرياً في مدينة قامشلي والحسكة جوانب عديدة من المعاناة والتحدّيات التي ما زالوا يواجهونها رغم مرور أكثر من ستّ سنوات على التهجير القسري من عفرين، هذه العوائق والتحدّيات تصبح سبباً في صعوبة الاندماج بالمجتمع المضيف، والعيش في عزلة وابتعاد حتى عن مجتمعه المهجّر، رغم تحقيق نسبة لا بأس بها من عملية الاندماج خاصة أنّ منطقة قامشلي تعتبر من أكثر المناطق والبيئات الاجتماعية قرباً من بيئة عفرين، من ناحية تشابه العديد من العادات والتقاليد، ووجود نخبة مثقفة من كتاب وشعراء وسياسيين لديهم معرفة سابقة بمجتمع عفرين، وكذلك وجود نوع من الانفتاح الاجتماعي، ومحاولات التخلص من العادات العشائرية السائدة التي باءت شكلية فقط.
وقد ساهمت تلك العوامل الآنفة الذكر إلى خلق نوعٍ من الاستقرار النفسي والاجتماعي لدى المهجرين وزاد من مستوى اندماجهم وفعاليتهم في المجتمع المضيف، إلا أنّه ما تزال هناك العديد من جوانب المعاناة التي يواجهها المهجرون، والتي لا بدّ من العمل عليها بين المجتمعين المهجر والمضيف بغية التخفيف من آثارها وتأثيرها، وبالتالي زيادة وتيرة اندماجهم الأمر الذي سوف يسهم في زيادة الفعالية المجتمعية وبالتالي لعب دور أكثر إيجابياً في تطوير المجتمع المحلي من مختلف الجوانب. حيث تتجلى تلك الجوانب في:
التحديات النفسية:
تظهر تلك التحديات بشكلٍ عام في الحنين والاشتياق إلى قراهم وبيوتهم وطبيعتها الجميلة، الشعور بالغربة وعدم الاستقرار، وعقدة النزوح والخوف من النزوح مرة أخرى.
ويعبّر “رولان” عن تلك التحدّيات بشكلٍ واضح وعميق قائلاً: “منذ 2018 حتى اللحظة ونحن عالقون بحلقة زمنية وهي العودة إلى الوطن، والوقت يسبب لي معاناة نفسية كون السنوات تمرّ وتأخذ من عمرنا. وصدمة النزوح وعدم الاستقرار، الخوف من المستقبل، لا يستطيع الشخص المقيم على أرضه ترجمة حجم الألم الذي نشعر به حتى لو كان متعاطفاً معنا. أنا شخصياً لا أستطيع التخطيط لمستقبلي من تأثير الصدمة من عفرين، فالحرب أنهت كل أحلامنا، وما زلنا نعيش ضمن عقدة النزوح“.
في حين أنّ الشاب “آزاد/اسم مستعار” الذي أكمل دراسته في جامعة روجافا بمدينة قامشلي والذي يقيم في الحسكة، وأُجريت معه مقابلة فيزيائية في قامشلي بتاريخ 22 تموز/يوليو 2024 يسرد ذكرياته الأليمة أيام الحرب على عفرين قائلاً: “يراودنا باستمرار قلة الثقة بالنفس وضعف الإيمان بالحلول والحنين للوطن. وأكثر شعور طاغي هو الذكريات المؤلمة التي مررْتُ بها؛ كنت أعمل فترة الحرب مع الهلال الأحمر الكردي، فأقوم بإسعاف الجرحى والمصابين.. ذكريات مؤلمة جداً! أتذكّر مرةً كنّا نقوم بإسعاف الجرحى، كان هناك من بين المسعفين شابٌ لم أتعرّف على ملامحه، سمعته ينادي باسمي، كان ابن جيراننا قد أخفت الدماء ملامحه!“.
بينما تؤكد الطالبة “أفين الأحمد” بأنّها تعرّضت لمواقف مزعجة بالنسبة لها، وهي عدم معرفة البعض من أفراد المجتمع المضيف لأسباب مجيئها إلى هنا، وأثّر ذلك على وضعها النفسي، فيما يخصّ سبب نزوحها القسري، حيث تقول: “أنا بعيدة عن أسرتي وأشتاق إليهم كثيراً، وتعرّضت للتنّمر من بعض الأشخاص عندما قالوا لي: لماذا تركتم أرضكم ومنزلكم وجئتم إلى هنا؟ أليس عندكم جامعة في مدينتكم؟ وهذا آلمني بشدّة، لأّنهم لا يدركون بعد أنّ عفرين محتلّة، وأنّنا خرجنا من منطقتنا رغماً عنّا”.
لعلّ عدم اطّلاع بعض من أفراد المجتمع المضيف على أوضاع المهجرين قسرياً وأسباب نزوحهم القسري يضعف من تعاطفهم/ن معهم/ن، ويصبح بالتالي سبباً في خلق أزمات نفسية ورد فعل سلبي لدى المهجّر، فتعبر عن ذلك “مريم عبدو” بكل وضوح قائلة: “واحدة من أصعب التحدّيات النفسية التي واجهتني عندما وصلت إلى هنا لأُكمل دراستي، هي التعامل مع أسئلة الفتيات في السكن الجامعي. كنّ يتساءلنّ: لماذا لا تدرسن في مدينتكنّ الأصلية؟ أو لماذا لا تقضيْنَ العطل في منازلكنّ؟ كانت استفساراتهن تجعلنا نشعر بالاستغراب، فلم يدركنَ بعدْ أنّ عفرين محتلة ولا يعلمن تفاصيل ما عانينا منه من خوفٍ ومعاناة لكي نصل إلى هنا“.
وتقول “زيلان محمد” في هذا الصدد: “أواجه تحدياً داخلياً مستمراً، حيث أقول لنفسي باستمرار: ما كان يجب أنْ أكون هنا، فما الذي أفعله هنا؟ وكل يوم يمرّ يصبح أصعب بكثير“.
وتضيف الطالبة “ماربيل حسن” جوانب أخرى من الضغوطات النفسية التي تتعرّض لها طلبة عفرين ومعاناتهم/ن في مكان إقامتهم/ن، خاصة في العطل والمناسبات والأعياد، فتقول: “من أهم التحديات التي أواجهها هنا، هي البعد عن مدينتي وأسرتي، أي أنّنا طلاب عفرين نزورُ أهالينا مرة كل عام، مرة واحدة فقط! ولا نستطيع أنْ نقضي العطل والأعياد مع ذوينا وأحبائنا بسبب الدراسة وصعوبة الطريق، على العكس من صديقاتنا من المنطقة اللواتي يذهبن إلى منازلهن في المناسبات والعطل الأسبوعية، بينما نبقى وحيدات في السّكن، وهذا يجعلني في حالة حزنٍ واكتئاب“.
وتشير الطالبة “جودي حسن/اسم مستعار” التي أُجريت معها مقابلة فيزيائية بتاريخ 7 تموز/يوليو 2024 إلى جوانب أخرى من التحديات النفسية لم يذكرها أحد من قبل، حيث تجد نفسها غريبة ووحيدة في المجتمع المضيف، ولا أحد يسأل عنها، وليس لديها أقارب ومعارف هنا، فتقول: “لم يبادر أحد إلى السؤال عن وضعي مع أنني غريبة، ولم يساندني أحد، وهذا ما أشعرني بالحزن والوحدة والاغتراب، وبدوره أثّر هذا الأمر على نفسيتي ودراستي كثيراً“.
أوجه التعاون بين المجتمع المضيف والمجتمع المهجّر في المجال الاجتماعي:
تجربة النزوح القسري لا شكّ قاسية جداً لمن جرّبها، وآثارها تظلّ لسنواتٍ عديدة وربما لعقود لمن ذاقها، لكن مدى ذلك التأثير يتوقف على عدّة عوامل، أهمّها دور المجتمع المضيف تجاه المهجّرين قسرياً، إنْ كانوا متعاطفين مع قضيته/ا، أو كانوا متذمّرين لوجوده/ا بينهم.
لقد رصدت ليلون هذا الوضع عن كثب من خلال جلسات حوار مباشرة بين المجتمعين المهجر والمضيف ومن خلال المقابلات المباشرة مع عيّنة من شرائح اجتماعية مختلفة من مهجّري عفرين المقيمين في مدينة قامشلي في أقصى شمال شرق سوريا التي تبعد عن منطقتهم آلاف الأميال. فكانت الرّدود إلى حدّ ما إيجابية، الأمر الذي جعل هذه المدينة بشكلٍ خاص ومنطقة الجزيرة بشكلٍ عام وجهةً لمعظم مهجري عفرين الذين توجهوا إلى مناطق شرق الفرات لعدّة عوامل، لعلّ أهمها؛ أنها مدينة ذات غالبية كردية وبيئة منفتحة تشبه إلى حدّ ما مجتمع عفرين من حيث التمدّن والانفتاح وتقبّل الآخر، إضافة إلى الأفكار المتقاربة، وتوفر فرص العمل، إلى جانب تمتّعها باستقرارٍ نسبي، وتوفّر معظم المقوّمات الحياتية، وأنّها بيئة مناسبة لإنشاء وتطوير مشاريع اقتصادية حيوية.
كما أنّ المجتمع في قامشلي رغم أنّه مجتمع مدني، لكنّ الطابع القروي البسيط والعشائري المضياف في العلاقات ما زال سائداً، كما أنّ الروح القومية الكردية أيضاً يعتبر عاملاً من عوامل تعاطف أفراد المجتمع المضيف إلى حدّ جيد مع قضية مهجّري عفرين.
حيث تقول “رانسي/اسم مستعار” وأجريت معها مقابلة فيزيائية بتاريخ 28 حزيران/يونيو 2024 والتي أقامت حفلة زفافها في مدينة قامشلي وحضرتها عدد جيد من أبناء المجتمع المضيف بما فيه أصدقاء زوجها وصديقاتها والمعارف، أنّ: “هناك تعاون في المجال الاجتماعي، حيث كانت هناك نسبة كبيرة من أهالي قامشلي حضروا زفافنا من معارفنا وأصدقائنا، وهناك زيارات متبادلة أيضاً“.
وتكون المشاركة المجتمعية بين المجتمعين المضيف والمهجّر في المناسبات الاجتماعية المختلفة ضمن دائرة المعارف والأصدقاء، والمشاركة في الرحلات الترفيهية، ودعوتهم لزيارة القرية، أو لحضور احتفال أو حفلة زفاف، أو ندوة ثقافية أو سياسية، أو ربما في بعض الأحيان زيارات متبادلة للمنازل بين بعضهم البعض، حتى تجلت تلك المشاركة المجتمعية إلى مستوى الزواج بين المجتمعين.
ويعبّر “بافي جيهان” عن هذه الحقيقة قائلاً: “هناك تعاون وعلاقات قوية تربطني بالمجتمع المضيف، كون زوجتي من هنا، حيث شارك أصدقائي من المجتمعين المهجّر والمضيف في القيام بترتيبات حفل زفافي وقدموا المساعدة لي“.
وتضيف “سيماف علي” التي تزوجت من المجتمع المضيف رغم بعض المعارضات من العائلة: “لقد تزوجت من المجتمع المضيف مع معارضة أهلي، ولكن لم تكن معارضة قوية نظراً للقلق من اختلاف العادات والتقاليد. وخلال زواجي نظّمت صديقاتي حفلة حناء صغيرة بسبب عدم إمكانية إقامة حفل زفاف نتيجة جائحة كورونا“.
من جهتها تضيف الطالبة “بريفان خليل”، أنّها: “حضرتُ أنا وصديقتي حفل زفاف ابنة خالتي التي تزوّجت من شخص من المجتمع المضيف، وقضينا يوماً جميلاً، وتعرّفنا على عاداتهم في حفلات الزفاف. وهناك تبادل للزيارات في المناسبات مع صديقاتي من المجتمع المضيف“.
وتضيف “سلوى محمد/اسم مستعار” التي أُجريت معها مقابلة فيزيائية بتاريخ 2 تموز/يوليو 2024 أنّ: “أقوم بتبادل الزيارات مع الجيران، وعلاقتنا طيبة، نتبادل الأحاديث حول ثقافتنا وعاداتنا وأنواع أطعمتنا، فأشعر بالسعادة بوجودها“.
وأكّدت “سوز رشيد/اسم مستعار” التي أجريت معها مقابلة فيزيائية بتاريخ 7 تموز/يوليو 2024 أنّها: تمت دعوتها من قبل إحدى صديقاتها لزيارة منزلها لعلّ ذلك يخفف بعض من شعورها بالوحدة.
لكن قلّة قليلة من الطالبات اللواتي أتينا مؤخراً إلى قامشلي من منطقة شهبا، كانت رؤيتهن سلبياً إلى حدّ ما، بأنهن لم يشاركن بعدْ المجتمع المضيف في أية أنشطة اجتماعية، حيث تشير “زارا محمد” التي أجريت معها مقابلة فيزيائية بتاريخ 7 تموز/يوليو 2024 إلى أنّه: “لم يتم دعوتي من قبل أفراد المجتمع المضيف أبداً لزيارة بيوتهم، لكنني شاركت في بعض المناسبات دون دعوة من أحد، بل من تلقاء نفسي“.
مدى استجابة المجتمع المضيف لحاجات المهجرين في المجال الاقتصادي:
رغم أنّ قامشلي مدينة بطبيعتها العمرانية والسّكانية، إلا أنّ نمطاً من العادات والتقاليد القروية والعشائرية ما زالت سائدة إلى الآن، وخاصة إكرام واستقبال الضيف والتعاطف مع القضايا الإنسانية، وهذا ما حدث إلى حدّ ما مع مهجري عفرين الذين أتوا من أقصى شمال غرب سوريا إلى أقصى شمال شرقها، لكنّ ذلك لم يكن بالشكل المثالي، لأسبابٍ عدّة، منها: ضعف الوضع المادي لشريحة واسعة من سكان المدينة الأصليين والذين كانوا من فئة الموظفين لدى الدولة، والفئة الأخرى كانت من فئة التجار والمستغلّين همهم الوحيد هو الربح المادي، وباتت قامشلي ومناطق شمال شرق سوريا بشكلٍ عام مقصداً لشريحة كبيرة من النازحين داخلياً لتوفّر أمان واستقرار نسبي، وتوفّر فرص عمل مختلفة، ومقومات الحياة الأساسية من الوقود والكهرباء مقارنةً مع بقية المناطق السورية الأخرى، الأمر الذي أدّى بها أنْ تصبح بيئة خصبة للاستثمار التجاري.
وتؤكّد “كلستان” على حسن استقبال المجتمع المضيف لها ولعائلتها، حيث قدموا ما بوسعهم من مساعدات اقتصادية، خاصة أنّها حصلت على منزل مجاني لمدة سنة كاملة، بعدها تمكنت من الحصول على فرصة عمل لها ولزوجها وأولادها فيما بعد، وقاموا باستئجار شقة.
كما تؤكد “رانسي” أيضاً على مساعدة المجتمع المضيف في تخفيض الآجار قائلةً: “نعم، تم حسم جزء من آجار المنزل لنا كوننا من عفرين، كما طرحت رابطة عفرين الاجتماعية أسماء بعض الأطباء الذين يقدّمون خدمات لأهالي عفرين بتخفيضات مختلفة“.
ويشير “بافي جيهان” أيضاً إلى ذلك التعاون من قبل المجتمع المضيف، فيضيف قائلاً: “نعم هناك تعاون من قبل المجتمع المضيف. أتحدث من وجهة نظري، فالمنزل الذي أسكنه حالياً كان صاحبه يتقاضى مني أجراً زهيداً (5 دولار) حتى عام 2021، لكنّني لم أقبل بذلك في ظل ارتفاع الأسعار، فاتفقنا على آجار شهري قدره 50 دولاراً فقط“.
وأضاف “خبات” أنه تمكن من الاستفادة من حسم خاص مخصّص لمهجري عفرين في متجرٍ للملابس مرة واحدة فقط. حيث توجد بعض المبادرات من بعض أصحاب الورشات ومن قبل بعض التجار من أبناء منطقة عفرين وكذلك من أبناء المجتمع المضيف، ويكون ذلك من خلال رابطة عفرين الاجتماعية.
إلا أنّ تلك المبادرات تظلّ فردية، ولم ترقى إلى أفعالٍ جماعية، وتكون الشريحة المستفيدة ضئيلة جداً، فلا بدّ من مبادرات أخرى تكون فعّالة أكثر وتستهدف أعداداً أكبر وشرائح أوسع من المجتمع المهجّر.
حيث يقول “سيبان محمد” أنّه لم يتلقى في هذا المجال أيّة مساعدة، وكانت الحسومات تقتصر فقط على المعاينات الطبّية من قبل بعض الأطباء.
في حين تعبّر “زنارين” التي تمتلك متجراً للألبسة، استطاعت افتتاحه مع زوجها بعد النزوح القسري عن استياءها لضعف التعاون من قبل المجتمع المضيف، قائلةً: “لم أتلقى أية مساعدات حتى الآن، لكنّنا نواجه بعض الصعوبات في ارتفاع أجور المحل وأجور الشحن وتأمين البضاعة وتحدّيات الطريق، وأجور العمال، وأجور تشغيلية أخرى، كون المحل في حي راقٍ والتكاليف مرتفعة“.
وكذلك تضيف “أمينة” التي فقدت ابنها في الحرب بعفرين، وتعيش حياة مأساوية جداً في ظل مرض زوجها، تضطر لأنْ تعمل بدوامين، وتقيم في منزلٍ سيّء لتؤمّن لقمة العيش لعائلتها، وأدوية زوجها، فتؤكّد أنّه: “لا توجد جهة تقدم لنا أيّة مساعدات، ولكن مؤسسة عوائل الشهداء ساهمت في تحمّل تكاليف معالجة زوجي وأدويته“.
مستوى الدعم النفسي والاجتماعي الذي قدّمه المجتمع المضيف للمهجرين:
استقبل المجتمع المضيف في منطقة الجزيرة بشكلٍ عام، وفي قامشلي بشكلٍ خاص مهجّري عفرين برضى، وتعاطفوا مع قضيتهم إلى حدّ كبير لما لهم من ارتباطات قومية واجتماعية مع مجتمع عفرين، حتّى أنّ البعض منهم كانوا قد قدِموا إلى عفرين أثناء الحرب عليها لتقديم الدعم المعنوي. وقد بدا واضحاً هذا التعاطف من خلال عدة مبادرات قاموا بها ولو كانت فردية، من قبل المجتمع المضيف، كاستقبالهم في بيوتهم لفترة من الزمن، وتقديم بيوت بدون أجر، وتقديم بعض المساعدات المادية، وتوفير فرص عمل لهم في المنظمات والورشات والإدارات المختلفة، إضافة إلى دعوة أهالي عفرين لزيارة بيوتهم أو قراهم أو حضور أنشطة اجتماعية وثقافية كنوعٍ من الدعم النفسي لتخفيف تأثير النزوح القسري عليهم، وليشعرهم بأنّهم في بلدهم ومدينتهم، وليسوا ضيوفاً أو نازحين.
إضافةً إلى مشاركة المجتمع المضيف في مناصرة قضية عفرين من خلال الأنشطة المختلفة، ومحاولة البحث عن نقاط الالتقاء بين المجتمعين، ومحاولة تقديم ما يستطيعون تقديمه وتأمين بيئة اجتماعية آمنة إلى حدّ ما، مما أدّى ذلك إلى زيادة الروابط الاجتماعية والاندماج أدّت إلى زواج بعض الشبان والفتيات بين المجتمعين المهجّر والمضيف، حيث سادت هذه الظاهرة والعلاقة وتطوّرت بشكلٍ ملحوظ، مما يشير إلى تطوّر مدى اندماج المجتمع المهجّر في المجتمع المضيف.
لقد عبّر الذين تمت مقابلتهم عن كل هذه الحقائق بشفافية، كما أشاروا إلى بعض نقاط الضعف والخلل في مستوى التعاطف والتضامن مع قضية مهجّري عفرين، حيث أكّد “زكريا عفرين” على هذه الحقيقة بقوله: “نعم، هناك دعم وتعاطف مع قضيتي. فالمؤسسة الثقافية التي انتسب إليها تقوم كل عام بإحياء ذكرى احتلال عفرين وتقوم بإحياء أنشطة ثقافية ومهرجانات تخصّ عفرين. ومن ناحية الدعم النفسي، تقوم عائلة زوجتي وبعض الأصدقاء كل فترة بدعوتنا لزيارتهم في القرية بين الطبيعة“.
من جهتها أشارت “رانسي” إلى التعاطف الكبير والدعم المعنوي التي تلقتها من بعض المعارف من خلال دعوتها إلى القرية لتتغير حالتها النفسية وتشعر أنّ هناك من يشعرون بوضعها ومعاناتها، فتقول: “نعم، كان هناك تعاطف مع قضيتي من قبل صديقاتي وأصدقائي في الجامعة والعمل. أذكر أنّ صديقتي دعتني مرةً لزيارة بيتها الكائن في الدرباسية، وأقمت عندهم يوماً واحداً، وقضينا وقتاً بين الطبيعة، وبعد الزواج دعتني صديقتي إلى مزرعتها الكائن في الحاتمية برفقة زميلاتي المعلمات“.
ويشير “آزاد” أيضاً إلى مدى الدعم النفسي الذي تلقاه من زملائه في الجامعة، وتعاطفهم مع قضيته واعتبارها قضيتهم، فيقول: “الشباب الذين تعرّفت عليهم في فترة الدراسة في الجامعة تعاطفوا معي كثيراً. لدي أصدقاء قاموا باستضافتي في بيوتهم وقراهم للتخفيف عني وقدموا لي الدعم المعنوي“.
وتؤكد “روجين محمد/اسم مستعار” في المقابلة الفيزيائية التي أجريت معها بتاريخ 7 تموز/يوليو 2024 على الدور الإيجابي الذي قامت بها زميلاتها في الجامعة عندما علموا أنّها مهجّرة من منطقة عفرين، فتقول في هذا الصّدد: “بعض صديقاتي أظهرن تعاطفاً شديداً تجاهي عندما علِموا أنني من عفرين، وعندما شرحت لهم معاناتنا خلال الحرب وتفاصيل رحلتنا، أثّر ذلك بشدة على مشاعرهن“.
وتوضّح “أفين الأحمد” مستوى الدعم والتعاطف الذي تلقتها من أساتذتها في الجامعة، وتقدير وضعها النفسي والاجتماعي بهذا الشكل: “نعم، تلقيت الدعم النفسي من أساتذة الجامعة، حيث كانوا يتفهمون تحدّياتنا عندما نعجز عن الوصول إلى الجامعة لحضور المحاضرات بسبب إغلاق الطرقات، أو حين انقطاع التيار الكهربائي. كانوا يدعوننا للحضور إلى الجامعة خلال فترة الامتحانات لضمان توفير الكهرباء لنتمكن من دراسة موادنا، أو يفتحون أبواب منازلهم لنا في أي وقت. وفي حال واجهتنا أية مشكلة، كانوا يقدّمون لنا الدعم والمساعدة بدون تردّد“.
وتؤكّد “يارا محمد” التي أُجريت معها مقابلة فيزيائية بتاريخ 3 تموز/يوليو 2024 على الدعم والمساندة التي تتلقاها من أساتذتها في الجامعة ومدى تعاطفهم/ن مع قضيتها نتيجة استيعابهم/ن وفهمهم/ن لوضعها كمهجّرة قسرية، حيث يحاولون إلى حدٍّ كبير تأمين بيئة اجتماعية ونفسية آمنة كي لا تجد نفسها غريبة، بل أنْ ترى نفسها بين أهلها وعائلتها.
ويضيف الطالب “صلاح آغا/اسم مستعار” الذي أجريت معه مقابلة فيزيائية بتاريخ 4 تموز/يوليو 2024 أنّه استطاع أن يشعر بالراحة والأمان، وكأنّه بين أهله نتيجة ما تلقاه من زملائه وأساتذته من تعاطف ودعم نفسي، حيث يقول: “نعم، تلقيت بعض الدعم النفسي من بعض الأصدقاء عندما قالوا لي: “نحن هنا، ماذا تحتاج؟ قل لنا وسنساعدك. منزلنا منزلك، متى تريد، تعال إلينا.” شعرت بأنهم مثل إخوتي ويريدون مساعدتي“.
كما تعبّر “أمل علي” والتي أجريت معها مقابلة فيزيائية بتاريخ 3 تموز/يوليو 2024 عن مدى الدعم النفسي والمعنوي والتعاطف الذي تتلقاها من جارتها التي دائماً تقف بجانبها وتواسيها في محنتها، فتقول: “هنا بعض الأشخاص الذين أرتاح معهم/ن، ومنها جارتي في الحي، وهي صديقتي في المدينة، تقوم بدعمي من الناحية المعنوية، وتزرع لدي الأمل دائماً بالعودة إلى منطقتي، كما تشارك معي في العديد من الفعاليات التي تجري من أجل عفرين“.
من جهتها تقول “زارا محمد”أنّ هناك تعاون في هذا المجال من قبل المجتمع المضيف، ولكن قليل جداً وليس بالمستوى المطلوب، رغم أنّ بعض من زميلاتي ودكاترتي في الجامعة يدعمون قضيتي ويتعاطفون معي“.
وأفادت “ميديا حسين/اسم مستعار” في المقابلة الفيزيائية التي أجريت معها بتاريخ 6 تموز/يوليو 2024 أنّها في بداية مجيئها إلى قامشلي لمست تعاطفاً من زميلاتها في العمل مع قضيتها، حيث تقول: “في هذا المجال تلقيتُ دعماً معنوياً من زميلاتي وزملائي في المركز الذي أعمل فيه، ودعم لقضية عفرين، وكانوا يقولون بأنّه لا بدّ أنْ يأتي يومٌ نعود فيه إلى ديارنا“.
مما سبق يتوضح مستوىً لا بأس به من الاندماج المجتمعي من قبل المهجّرين في المجتمع المضيف، حيث تبين ازدياد معدلات الزواج بين فئة الشباب من المجتمعين، وكذلك مشاركة المجتمع المضيف في إنشاء المشاريع الاقتصادية، والتأثير الاجتماعي الواضح للمجتمع المهجّر على المجتمع المضيف وبالعكس. إلّا أنّه غير كافٍ، فلا بدّ من زيادة معدّل الاندماج أكثر من ذلك، ليصبح مجتمع المهجرين أكثر عطاءً وإنتاجاً وفعالية في جميع النواحي، وهذا يتطلّب سعياً وتعاوناً مشتركاً بين المجتمع المضيف والمجتمع المهجر إضافة إلى صانعي القرار من السلطات المحلية، والإعلام ونشطاء المجتمع المدني جنباً إلى جنب.
التحديات القانونية والإدارية التي يواجهها المهجرون في المجتمع المضيف:
أظهرت المقابلات التي أُجريت مع المهجّرين، أنّ هناك تحديات قانونية وإدارية ما زال البعض يواجهها، والتي تقتصر على عدم جلبهم وامتلاكهم للوثائق الشخصية (بطاقة شخصية، دفتر العائلة)، وبالتالي عدم تمكّنهم من التسجيل في الكومين[3] وبالتالي الحرمان من عدة خدمات مثل الوقود والغاز المنزلي والخبز المدعوم..
كما أشار البعض أنّهم لا يستطيعون استخراج الأوراق الثبوتية لأسباب أمنية، ونوّه آخرون أنّه بداية مجيئهم إلى الجزيرة كانوا يطلبون منهم كفيلاً كشرطٍ للإقامة، لكن فيما بعد صدر قرار من قوات الأسايش[4] اعتبار سكان منطقة عفرين كباقي سكان مناطق شمال وشرق سوريا التي تخضع لللإدارة الذاتية.
إلّا أنّ أهم مشكلة إدارية عانى منها مهجرو عفرين هو حرمانهم من التنقّل بحرّية في المناطق السورية المختلفة، خاصة بين مناطق شرق الفرات ومحافظة حلب، فكانوا يضطرّون للذهاب بالطائرة من مطار قامشلي إلى دمشق ومنها بالحافلة إلى مدينة حلب – حيث يسكن فيها غالبية أهالي عفرين، لأنّ الحواجز البرّية كانت لا تسمح لهم بالعبور مباشرة عبر الطرقات البرية إلى مدينة حلب، حيث كانت حواجز الدولة السورية تجبرهم/ن على العودة إلى مخيمات شهبا[5].
تقول “سيماف علي” عن أهم الصعوبات القانونية والإدارية في منطقة الجزيرة التي واجهتها كمهجّرة من عفرين: “عندما تم زواجي في 2020، وبدأت بإجراءات معاملة الزواج، واجهت صعوبة كبيرة في الحصول على إخراج القيد بسبب أنّ قيدي على عفرين. واستغرق وقتاً طويلاً ومبلغاً كبيراً من المال حتى تمكنت من الحصول عليه هنا. ومن بين التحديات الكبيرة التي واجهتها عند محاولتي الحصول على جواز السفر، واجهت أسئلة أمنية بسبب قيدي، حيث كنت مضطرّة لاستخراج الجواز من الحسكة بدلاً من حلب“.
ويقول “رولان” الشاب الوحيد، الذي عانى كثيراً من إجراءات معاملة وحيد واستخراج البطاقة الشخصية، الأمر الذي لم يقدّره كومين الحي ولم يقدّم له وقود التدفئة ليقضي جميع الشتاءات في البرد دون مدفأة: “ليس لدي بطاقة شخصية ومعاملة وحيد لم يتم استكمالها وبسب الإجراءات الصعبة، حتى أنني لم استطيع التسجيل في الكومين وأقضي الشتاء بلا مدفأة“.
بينما تشرح “كلستان” التحدّيات القانونية التي واجهتها من خلال عدم جلبها للوثائق الشخصية والعائلية قائلة: “إنّ عدم جلبنا الوثائق الرسمية معنا مثل؛ دفتر العائلة والبطاقة الشخصية لابني الكبير، قد حرّمنا من التسجيل في الكومين، كما حدَ ذلك من تحرك ابني ضمن المنطقة خوفاً من الاعتقال من قبل القوى الأمنية المختلفة“.
إنّ معرفة وتحليل التحدّيات التي يواجهها المهجرون قسرياً بشكلٍ عام ومهجّرو عفرين بشكلٍ خاص من قبل المجتمع المضيف وصانعي القرار والنشطاء والشخصيات الإجتماعية المؤثرة، تفرض عليهم واجبات ومهام لا بدّ لهم القيام بها تجاه وضع حدّ لتلك التحدّيات أو على الأقل التخفيف من تأثيرها، مما يساعد ويساهم بشكلٍ أو بآخر إلى زيادة الاندماج المجتمعي لدى أفراد المجتمع المهجّر بمختلف فئاته، وزيادة فعالية دورهم في المشاركة المجتمعية في مجالات عدّة.
أهم التوصيات من أجل تخفيف معاناة المهجرين وإيجاد آليات من شأنها تسهيل وتسريع عملية الاندماج في المجتمع المضيف:
- دعم سبل العيش للمهجرين قسرياً في المدن بشكلٍ خاص من قبل السلطات المحلية ومنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية.
- دعم الطلاب من المهجّرين قسرياً بشكلٍ خاص الذين يدرسون في جامعات ومعاهد المجتمعات المضيفة في سبيل إكمال دراستهم العليا.
- تعزيز الأنشطة الاجتماعية والثقافية بين المجتمعين المضيف والمهجّر لتبادل المعارف حول العادات والتقاليد الاجتماعية والثقافية.
- على السلطات المحلية العمل على أخذ الأوضاع القانونية للمهجرين/النازحين بعين الاعتبار وتقديم التسهيلات لهم للاستفادة من الخدمات المختلفة.
- على منظمات المجتمع المدني تقديم مختلف أنواع الدعم النفسي والاجتماعي والإغاثي والقانوني للمهجّرين قسرياً من أهالي عفرين في المجتمعات المضيفة.
- أنْ تقوم منظمات المجتمع المدني بتبني مصاريف وتكاليف الإقامة من خلال تقديم مبالغ عينية بما يتماشى مع أجور الإقامة بشكلٍ دوري لغير القادرين على الحصول على مسكنٍ لائق.
- القيام بمبادرات اجتماعية من شأنها زيادة معدل اندماج المهجّرين في المجتمع المضيف، مثل المهرجانات الثقافية والاجتماعية، الرحلات الترفيهية.
- ينبغي على المجتمع المضيف أن تأخذ الوضع النفسي للمجتمع المهجّر بعين الاعتبار ومحاولة تقديم كافة أنواع الدعم لتسهيل عملية الاندماج.
- أن تقوم السلطات المحلية وأصحاب المنشآت الصناعية والتجارية إعطاء أولوية في العمل والتوظيف للمهجّرين/ات.
- على منظمات المجتمع المدني تحديد نسبة للتوظيف من المهجرين/ات كدعمٍ مادي ومعنوي لهم.
- دعم ومساندة إنشاء وتشكيل المنظمات والروابط الخاصّة بالمهجرين في المجتمعات المضيفة.
- إيصال صوت المهجّرين قسرياً إلى الجهات الحقوقية المعنية الدولية والمحلية.
- تسليط الضوء على قضايا المهجّرين من قبل الإعلام المحلي.
- فتح المجال أمام المجتمع المهجّر وتشجيعه على المشاركة الفاعلة في تطوير الأسس الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للمجتمع المضيف.
———————————————————————————-
الهوامش:
[1] تأسست رابطة عفرين الاجتماعية في قامشلي في أواخر عام 2021، وهي مؤسسة مدنية اجتماعية تهتم بالشؤون الاجتماعية والخدمية لمهجري عفرين في مناطق الجزيرة السورية وتمثلهم لدى الجهات الأخرى.
[2] تأسست جامعة روجافا من قبل الإدارة الذاتية عام 2016 وتضم حالياً العديد من الكليات والأقسام والمعاهد، حيث انتقل إليها طلاب منطقة عفرين بعد إغلاق جامعة عفرين نتيجة احتلال المنطقة في آذار 2018 من قبل تركيا.
[3] الكومين: هي أصغر مؤسسة اجتماعية خدمية تتبع للإدارة الذاتية، وتوجد في كل حي وقرية، تقدم خدمات مختلفة، مثل الغاز المنزلي، وقود التدفئة، الخبز، أحياناً المواد الإغاثية للمهجرين والنازحين.
[4] قوات الأمن الداخلي التابعة للهيئة الداخلية في الإدارة الذاتية.
[5] تم مؤخّراً في أواخر عام 2023 افتتاح معبر “التايهة” بين منبج وحلب، تمّ السماح عبره بمرور أهالي عفرين .