اللجان الشعبية التابعة لبلدية الشعب تقوم بأعمال الصيانة للصرف الصحي في حي الشيخ مقصود . مصدر الصورة: خاصة بجمعية ليلون
اللجان الشعبية التابعة لبلدية الشعب تقوم بأعمال الصيانة للصرف الصحي في حي الشيخ مقصود . مصدر الصورة: خاصة بجمعية ليلون

حلب: استمرار حصار حيي الشيخ مقصود والأشرفية يضع حياة آلاف المدنيين في خطر

يعاني السكان المدنيون في حيي الشيخ مقصود والأشرفية ذوو الأغلبية الكردية في مدينة حلب، والخاضعيْن لسيطرة الإدارة الذاتية، من أزمات اقتصادية وخدمية متكررة نتيجة فرض حواجز الفرقة الرابعة التابعة للجيش السوري منذ بداية شهر أيار/مايو 2023، حصاراً خانقاً على الحييْن بهدف إخضاع المنطقة لسيطرتها العسكرية المباشرة.

فالبنى التحتية في الحييْن لم تكن جيدة كفاية، وقد تضرّرت أكثر بفعل الحرب الدائرة فيهما منذ عام 2016 وبسبب الزلزال المدمّر الذي ضرب سوريا وتركيا في 6 و 20 شباط/فبراير 2023.

وفي مقابلة مع جمعية ليلون للضحايا حذّر عضو لجنة السلامة العامة المهندس “حسين أحمد” في المكتب الفني من بلديّة الشعب في حيّ الشيخ مقصود من تدهور الوضع الخدمي قائلاً:

“هناك خطر على المباني بسبب تسرّب مياه الصرف الصحيّ إلى الأقبية وأساساتها، فللبنى التحتيّة أعطال بسبب القِدم وبالأخص مجرور الصرف الصحيّ. وقد أثّرت الحرب التي حصلت في المنطقة عام 2016 بالإضافة إلى حدوث الزلزالين على البنية التحتيّة كثيراً، فسبّبتا تصدّعات فيها وتسريبٍ للمياه إلى الأبنية، وهناك قلق من تكرار مشهد سقوط المبنى السكني في 22 كانون الثاني من العام الجاري الذي كان سببه تسرّب المياه الى الأساسات، لأنّ المياه المالحة للصرف الصحيّ تتفاعل كيميائياً مع البيتون ما يؤدي إلى حدوث اهتراء في الأساسات وسقوط الأبنية، لذلك يتطلب معالجة حلّ هذه المشاكل فوراً”.

لا تسمح تلك القوات التي زادت من عدد الحواجز حول هذين الحيّيْن، من 4 حواجز إلى ثمانية بدخول البضائع والمواد الغذائية إليها، وتتعامل مع المواطنين الكرد باستخفاف.

وقد أبلغ السيد “محمد أمين” الرئيس المشترك لبلدية الشعب التابعة للإدارة الذاتية في الحيّين المذكورين باحث ليلون الميداني قائلاً:

“مرة أخرى تمنع الفرقة الرابعة منذ يوم الخميس 9 حزيران/يونيو 2023 إدخال الإسمنت إلى الحيّين، الذي نحتاج إليه لإصلاح الأعطال في المباني. ولدينا إثباتات تؤكد أنّ أحد عناصر الفرقة الرابعة قد عرض علينا مبالغ ضخمة لكي يقوم بإدخالها. والأهم من ذلك ونتيجة لعدم السماح بدخول المعدات والآليات والمواد تتسرب المياه إلى الأقبية ما يشكل خطراً على المباني وإمكانية انهيارها، الأمر الذي ربما يشكلّ كارثة إنسانية لا يحمد عقباها “.

وفيما يتعلق بعرقلة جهود اللجان الشعبية في الحيين ومنع المؤسسات الخدمية للدولة السورية  من تقديم المساعدة في إزالة الأنقاض وهدم المباني المتضررة، أفاد “أمين” قائلاً:

“عندما يتم التنسيق مع قطاع من البلدية التابعة لمحافظة حلب تمنع الفرقة الرابعة دخولهم إلى الحيين، حيث لدينا 12 مبنى في حالة خطر ينبغي إزالتها بأسرع وقت ممكن، وتم إزالة ثلاث مبانٍ مؤلفة من خمسة طوابق، وما تزال تسع مبانٍ أخرى في حالة خطر الانهيار، وبسبب عدم السماح لدخول المعدات التي تفتقدها حيي الشيخ مقصود والأشرفية، تشكل تلك المباني خطراً على حياة المواطنين.”

ونتيجة الزلزال تضررت العديد من المرافق مثل شبكات المياه والكهرباء في الحيّين، الأمر الذي يستدعي إصلاحها، حيث تعمل اللجان التابعة لبلدية الشعب بإمكاناتها المتواضعة، إلا أنّ هناك أعمال تتطلب آليات ومعدات ثقيلة والتي لا تملكها تلك اللجان. ووفقاً ل”محمد أمين” فإن: “الحواجز الأمنية لا تسمح بدخول الرافعات التابعة لشركة كهرباء حلب إلى الحيّين لإصلاح الشبكات المعطّلة، مما يؤدي إلى حرمان قسمٍ كبير جداً من السكان من الكهرباء النظامية.”

بالإضافة إلى أنّ الحصار يهدّد السلامة العامة في الشيخ مقصود والأشرفية، حيث يعاني القطاع الصحيّ في الحيّين تراجعاً ملحوظاً في ظل الحصار، إذْ تسبّب في نقص المستلزمات الطبية بمشفى “الشهيد خالد فجر”، وهو المشفى الوحيد في الحيّين، ونقصٌ في الأدوية وارتفاعاً كبيراً في أسعارها إنْ وُجدتْ. وفي هذا الصدد، صرّح أحد العاملين في المشفى رافضاً الكشف عن هويته لـ”ليلون” قائلاً:

“يعالج المشفى بإمكانياته المتواضعة مرضاه، بسعر معقول يتناسب مع الوضع المعيشي لسكان الحيّين. وتضمّ المشفى عدّة أقسام، هي: قسم العمليات والعناية المشدّدة والتصوير والأشعة وحضانة الأطفال وعيادات طبية.  ويعتمد عمل جميع هذه الأقسام على مولّدة الكهرباء الخاصّة بالمشفى والتي تعمل في المرحلة الراهنة بالمخزون الاحتياطي من الوقود. يخلق الحصار أزماتٍ عديدة ويعيق العمل وسهولة توفّر الأدوية التي هي من أساسيات المشفى، إلى جانب النّقص في مادة المحروقات المخصّصة لعمل المشفى.”

ووفقاً لباحث “ليلون” الميداني إنّ دخول الأدوية إلى الصيدليات متوقف منذ ستة أشهر، حيث أفاد إداريّ في غرفة الصيادلة رفض الكشف عن اسمه خوفاً من الملاحقة الأمنية أنّ:

“مديرية الصحة والرقابة الدوائية التابعة للحكومة السورية لا تعطي الموافقة للمستودعات بتصدير الأدوية إلى الصيدليات الموجودة في الحيّين، بحجّة أنّها قرارات عُليا لا يمكن التغافل عنها، وأنّ تلك الصيدليات خارجة عن مناطق سيطرة الحكومة. وهناك صعوبة في دخول الأدوية وارتفاع كبير في أسعارها، فإنْ دخلت سيارة محمّلة بالأدوية، فإنّها ستدفع مليون ليرة سورية للحواجز  مقابل مرورها إلى الحيّين، وهنا يضطّر الصيدلاني إلى رفع سعر الدواء أضعافَ سعره، بسبب ما قدّمه مقابل جلب علبةِ الدّواء”.

وفيما يتعلق بخطر استمرار الحصار على حياة المواطنين، أضاف الباحث إلى أنّ: “الحصار المفروض تسبّب في تضرر القطاعات الحيوية فيها وازداد الخطر على حياة المواطنين، خاصة بعد التحذيرات التي أُطلقت بصدد خروج العديد من النقاط الطبية عن الخدمة نتيجة نقص الأدوية والمحروقات، إذْ أنّ الحصار يضع القطّاع الصحي قاب قوسين أو أدنى من الانحدار.”

وفي ختام حديثه مع ليلون أفرد الرئيس المشترك لبلدية الشعب قائلاً:

“يتم التعاطي من قبل الدولة السورية مع مواطني حيي الشيخ مقصود والأشرفية الذين يحملون الهوية السورية بمنطق اتهامهم بأنّهم إرهابيون. علماً أنه يعيش في الحيين أكثر من 100 عائلة مسيحية وأرمنية، وتضمّ كافة مكونات الشعب السوري”. حسب تعبيره.

وكانت منظمة العفو الدولية قد دعت العام الماضي الحكومة السورية لرفع الحصار عن الأحياء ذات الأغلبية الكردية في حلب قائلة:

“يتعين على قوات الحكومة السورية رفع الحصار الوحشي المفروض على المدنيين في المناطق ذات الأغلبية الكردية في منطقة شمال حلب، والذي يعيق إمكانية حصول السكان على الوقود وغيره من الإمدادات الأساسية”.

ويعدّ حيي الشيخ مقصود والأشرفية من الأحياء الشعبية التي لاقت إهمالاً من قبل الحكومة السورية، وتضييقاً للخناق عليهما منذ خمس سنوات عبر حصارها المتكرّر الذي يفرضه الجيش النظامي السوري من فترة إلى أخرى.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *