منذ سيطرة الفصائل المسلحة التابعة لما يعرف بالجيش الوطني السوري سابقاً على مدينة عفرين السورية عام 2018، شهدت المنطقة سلسلة واسعة من الانتهاكات بحق المدنيين من اعتقالات تعسفية، مصادرة ممتلكات، وعمليات تهجير قسري. وبعد انسحاب بعض القوات التركية عقب سقوط النظام السابق وإعلان دخول جهاز “الأمن العام” التابعة للحكومة الجديدة لتولي إدارة المنطقة، كان هناك توقعات بتحسن الأوضاع الأمنية وضمان حقوق السكان الأصليين. إلا أن هذا التقرير يوضح استمرار الانتهاكات ، مع تغير الجهة المنفذة فقط.
فبينما كانت الانتهاكات تُرتكب سابقاً باسم فصائل مثل “الحمزات” و”العمشات”، أصبحت اليوم تُنفذ تحت مسمى “الأمن العام”، ما يعكس استمرار سياسة الإفلات من العقاب، وإعادة ممارسة الانتهاكات بشكل أكثر تنظيماً في سوريا.
فعلى الرغم من أن جهاز “الأمن العام” في منطقة عفرين يشكل عدداً محدوداً من العناصر، إلا أن الفصائل المسلحة التي مارست الانتهاكات طيلة السنوات الماضية ما زالت متواجدة داخل المدينة، وقد اكتفت بارتداء رداء “الأمن العام” فقط حسب شهود من داخل المنطقة لباحثي ليلون. وبذلك، تغير مسمى هذه الفصائل إلى “الأمن العام”، بينما تستمر تبعيتها لتلك الفصائل التي ارتكبت الانتهاكات خلال الفترات السابقة. وهذا الوضع يستدعي ضرورة فرض رقابة صارمة ومحاسبة من قبل الجهات الحكومية المختصة قبل تعيين أو تمكين هذه العناصر، لمنع استمرار الانتهاكات وضمان احترام حقوق المدنيين في المنطقة.
الاعتقالات ومصادرة الممتلكات
إلى جانب الاعتقالات التعسفية، لم تتوقف الانتهاكات عند هذا الحد، بل امتدت لتشمل مصادرة الممتلكات بطرق غير قانونية.
بتاريخ 13/09/2025، تعرضت إحدى العوائل في القرى المحيطة لمنطقة عفرين لهجوم مسلح على منزلهم، وقد رفضوا الكشف عن اسم القرية لدواعٍ أمنية أثناء الإدلاء بشهادتهم لباحثي ليلون.
وقد تحدث المواطن م.أ وهو أحد الضحايا لباحث“ليلون” عن حيثيات الحادثة، قائلاً:
” اقتحمت مجموعة مسلحة عرّفت نفسها باسم “الأمن العام” منزلنا، وصادرت سيارتين تعودان لنا. وعندما اعترضنا على ذلك، أجابنا العناصر بأن هذه الممتلكات “أصبحت ملكاً لهم”، وذلك بعد انسحاب القوات التركية من قريتنا وتسلم “الأمن العام” لمقارها”.
وفي شهادة أخرى من نفس القرية، ذكر المواطن س.ع أن عناصر الأمن العام داهموا منزل جيرانه وقاموا باعتقال الزوج والزوجة من دون أي مذكرة قانونية أو توضيح لأسباب الاعتقال.
الاعتقال مقابل الاستيلاء على المنازل
في 12/09/2025، تعرض الشاب أحمد منلا عثمان من قرية قرزيحل التابعة لناحية شيراوا في منطقة عفرين للاعتقال من قبل جهاز الأمن العام على أحد الحواجز التابعة لهم في محافظة حلب، أثناء عمله في مدينة الواحة التابعة لناحية السفيرة في حلب.
وقد أفادت ن.م إحدى أقارب الضحية لباحث ليلون بالقول:
” اعتُقل الشاب أحمد البالغ من العمر 19 عاماً على حاجز يتبع للأمن العام أثناء عمله في مدينة الواحة – السفيرة. وقد اشترط جهاز الأمن العام مصادرة منزل العائلة في مدينة الواحة مقابل الافراج عنه، وبعد أربعة أيام، قامت عائلته بإخلاء المنزل وتسليمه لجهاز الأمن العام، إلى أن تم إطلاق سراحه”.
الاعتداءات على المدنيين أثناء التنقل
وحسب شهود مقربين من المواطن المسن حنان حشمو من قرية كوريه – راجو، تعرض المسن حنان لحادثة اعتداء مسلح أثناء عودته من عمله كسائق على طريق باب الهوى. ووفق شهادة مقربين، اعترضته مجموعة مسلحة مؤلفة من خمسة أشخاص على دراجتين ناريتين في منطقة شبه مهجورة في قرية جعنكو التابعة لناحية راجو، أثناء ذهابه لإحضار عائلتين عائدتين من تركيا إلى مسقط رأسمهما، وقاموا بالاستيلاء على جميع الأموال والذهب التي كانت بحوزة الركاب، وعندما حاول المسن التدخل لمنعهم من السرقة، تعرض الضحية للضرب المبرح من قبلهم وقاموا بتحطيم سيارته ومصادرة مايقارب سبعين ألف دولار و80 غرام من الذهب.
كما شهدت المنطقة حوادث توتر واشتباكات مباشرة بين الأهالي وعناصر من الأجهزة الأمنية، كما هو الحال في قرية جويق التي تعرض شبانها لسلسلة اعتقالات.
أحداث قرية جويق
أما في قرية جويق، شهد الأهالي في القرية حادثة أثارت حالة من التوتر والخوف. فقد حاول عناصر من فصيل “الحمزات” التابع لجهاز الأمن العام حالياً، سرقة دراجة نارية تعود لرجل من أصول عربية مقيم في القرية منذ سنوات. وعند اكتشاف الأمر، اندلع اشتباك بين الأهالي والعناصر، الأمر الذي دفع الشيخ مفيد إلى دعوة سكان قريته عبر مكبرات الصوت في المسجد للتكاتف والدفاع عن أنفسهم.
لكن هذه الدعوة اعتُبرت “تحريضاً على العصيان”، لتقوم قوات “الأمن العام” بفرض حظر تجوال وتنفيذ حملة اعتقالات واسعة طالت 12 شخصاً من أبناء القرية.
وتحدث ن.م أحد الشهود الناجين لباحث ليلون قائلاً:
” تعرض جميع المعتقلون من فئة الشباب للتعذيب والضرب المستمر والإهانات أثناء احتجازهم لدى جهاز الأمن العام، بينما تم الاكتفاء باستجواب كبار السن، وقد تعرض الشيخ مفيد للضرب بشكل مضاعف و كان الضحية الأكبر، بهدف جعله “عبرة” لكل من يحاول الاعتراض على ممارسات الفصائل أو الأمن العام أثناء تعذيبه، وقد تعرض لحالة صحية متدهورة بعد الإفراج عنه لاحقاً”.
رأي قانوني
استناداً إلى الشهادات والتقارير الميدانية الواردة، يتضح أن منطقة عفرين تعيش وضعاً قانونياً وإنسانياً مأساوياً، مع استمرار الانتهاكات التي ترتكبها جهات مسلحة تحت غطاء رسمي، وهو ما يخلق حالة من الإفلات من العقاب ويهدد سيادة القانون وحقوق الإنسان.
الاعتقالات التعسفية:
تُعد الاعتقالات دون مذكرات قانونية أو تبرير واضح انتهاكاً صارخاً للحقوق الأساسية للمعتقلين، وخصوصاً الحق في المحاكمة العادلة، والحماية من الاحتجاز التعسفي. هذه الممارسات تخالف القوانين الوطنية والمواثيق الدولية، ولا سيما المادة 9 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تحظر الاعتقال التعسفي أو الاحتجاز غير القانوني.
مصادرة الممتلكات:
مصادرة الممتلكات بالقوة ودون سند قانوني تُعتبر مصادرة تعسفية، وتنتهك حق الملكية المكفول في القانون الدولي، بما في ذلك اتفاقيات جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين في النزاعات المسلحة. كما تمثل هذه الممارسات جريمة تستوجب التحقيق والمساءلة.
التهجير القسري والاستيلاء على المنازل:
الإجبار على إخلاء المنازل مقابل الإفراج عن معتقلين، أو بتهديد الاعتقال، يشكل تهجيراً قسرياً محظوراً بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وهو ما يُعد جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية إذا استمر في سياق منظم.
الاعتداءات المسلحة على المدنيين:
الهجمات والاعتداءات التي يتعرض لها المدنيون أثناء تنقلهم، والاستيلاء على أموالهم وممتلكاتهم، تُعد انتهاكات صارخة لقواعد القانون الدولي الإنساني، التي تحظر استهداف المدنيين وحماية حقوقهم وممتلكاتهم أثناء النزاعات.
الإفلات من العقاب واستمرار الانتهاكات:
تنفيذ هذه الانتهاكات تحت غطاء جهات رسمية مثل “الأمن العام” دون مساءلة أو تحقيق فعال يشجع على استمرار الانتهاكات ويُعد مخالفة جسيمة لمبدأ سيادة القانون وحقوق الإنسان.
إن استمرار الانتهاكات تحت مسميات رسمية يشكل انتهاكاً للقوانين الوطنية والدولية، ويعزز من حالة الفوضى وانعدام العدالة في منطقة عفرين، ما يتطلب تحركاً عاجلاً لضمان حماية حقوق السكان المدنيين، وتحقيق العدالة، ومنع الإفلات من العقاب.
Lelun Afrin